للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخلة أخص من مطلق المحبة، فهي أعلى مراتبها، وأكمل درجاتها (١)، ولذا فإن الخلة من الله تعالى لم تحصل إلا للخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأما محبته تعالى فهي لعموم المؤمنين، وعلى هذا فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة، فقد نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر الخلة، وأثبت له المحبة والمودة فقال: (ولكن أُخوة الإسلام ومودته).

قال ابن تيمية: "والخلة أخص من مطلق المحبة، فإن الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين يحبون الله ويحبهم الله، كما قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] الآية، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥]، وقد أخبر الله أنه يحب المتقين، ويحب المقسطين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر بحبه لغير واحد، كما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أنه قال للحسن وأسامة: (اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما) (٢)، وقال له عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة) قال: فمن الرجال؟ قال: (أبوها) (٣)، وقال: (والله إني لأحبكم) (٤).

والناس في حب الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم،


(١) انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة ٩/ ١٢٩)، والشفاء (١٢٩)، والمفهم (٦/ ٢٤٢)، ومدارج السالكين (٣/ ٣١ - ٣٢)، وزاد المعاد (٣/ ٦٥)، وروضة المحبين (٦٥)، وتفسير القرآن العظيم (١/ ٨٥٠)، وشرح العقيدة الطحاوية (١٦٤)، وفتح الباري (٧/ ٢٣)، والأنوار الكاشفة للمعلمي (١٧٠)، وتيسير الكريم الرحمن (٢/ ١٧٨).
(٢) أخرجه البخاري (٣/ ١٣٦٦) ح (٣٥٢٨) من حديث أسامة بن زيد، وليس فيه: (وأحب من يحبهما).
(٣) متفق عليه: البخاري: (٣/ ١٣٣٩) ح (٣٤٦٢)، ومسلم: (١٥/ ١٦٢) ح (٢٣٨٤).
(٤) أخرجه من حديث أنس -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: أحمد (٢١/ ٤٣٦) ح (١٤٠٤٣)، وابن حبان (١٠/ ١٧٢) ح (٤٣٢٩)، والحاكم (٤/ ٩٠) ح (٦٩٧٦)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

<<  <   >  >>