للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدًا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى (١)، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه: خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: (عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة)، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال، وهو مكانه: (يا رب، خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا)، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل -قومي- على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: (يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا)، فقال الجبار: يا محمد، قال: (لبيك وسعديك)، قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: (خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها)، قال


(١) التدلي معناه: الدنو والزيادة في القرب، قال ابن فارس في المعجم (٢/ ٢٩٣) مادة (دلى): "الدال واللام والحرف المعتل: أصل يدل على مقاربة الشيء ومداناته بسهولة ورفق".
وقال الزجاج في معاني القرآن (٥/ ٧٠): "معنى دنا وتدلى: واحد، لأن المعنى: أنه قرب، وتدلى أي: زاد في القرب" [وانظر: تهذيب اللغة (١٤/ ١٢٢) مادة (دلا)، والمفردات للراغب (٣١٧)، والفتح (١٣/ ٤٨٤)].

<<  <   >  >>