للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير: "وفي سياقه -أي: حديث شريك- غرابة من وجوه، منها: قوله: (قبل أن يوحى إليه)، والجواب: أن مجيئهم أول مرة كان قبل أن يوحى إليه، فكانت تلك الليلة، ولم يكن فيها شيء، ثم جاءه الملائكة ليلة أخرى، ولم يقل في ذلك: (قبل أن يوحى إليه) بل جاءه بعد ما أُوحي إليه، فكان الإسراء قطعًا بعد الإيحاء، إما بقليل كما زعمه طائفة، أو بكثير نحو من عشر سنين كما زعمه آخرون، وهو الأظهر" (١).

وقال ابن حجر: "قوله: (فلم يرهم) أي: بعد ذلك (حتى أتوه ليلة أخرى)، ولم يعين المدة التي بين المجيئين، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه، وحينئذٍ وقع الإسراء والمعراج ... وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق: أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة، ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم وغيرهما، بأن شريكًا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة، وبالله التوفيق" (٢).

ولكن يشكل على هذا الجواب: أن الحديث ينص على أن المجيء الأول كان ليلة الإسراء حيث جاء في أوله: (ليلة أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه ... )، وقوله في هذا المجيء -أعني الأول-: (فقال آخرهم: خذوا خيرهم)، يشعر أنه قد كان في هذه الليلة شيء، والله أعلم.

وأجاب بعضهم: بأن الوحي ها هنا مقيد، وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة، والمراد: قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء، فأسري به فجأة من غير تقدم إعلام (٣).


(١) البداية والنهاية (٣/ ١٠٩) بتصرف يسير.
(٢) فتح الباري (١٣/ ٤٨٠)، وانظر: (٦/ ٥٧٩).
(٣) انظر: زاد المعاد (١/ ١٠٠)، وفتح الباري (١٣/ ٤٨٥).

<<  <   >  >>