للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)} [الإسراء: ١].

وجه الدلالة: أن التسبيح إنما يكون عند الأمور العظيمة والآيات الباهرة، مما يدل على أن الإسراء كان في اليقظة، بالروح والجسد، ولو كان منامًا، أو بالروح فقط لم يكن فيه كبير أمر، ولم يكن مستعظمًا.

ووجه آخر من الآية: وهو أنه تعالى قال: {بِعَبْدِهِ}، والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح، هذا هو المعروف عند الإطلاق، وهو الصحيح، فيكون الإسراء بهذا المجموع، ولا يمتنع ذلك عقلًا، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة، وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر.

٢ - ظاهر أحاديث الإسراء -كما تقدم- فإن سياقاتها تدل دلالة واضحة على أن الإسراء كان يقظة بالروح والجسد، ففيها ذكر الركوب والصعود في المعراج والصلاة وغير ذلك، ولذا قال البغوي: "الأكثرون على أنه أسري بجسده في اليقظة، وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك" (١).

٣ - مبادرة مشركي قريش إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وارتداد بعض من ضعف إسلامه عن الإسلام، ولو كان منامًا لما أنكروه، لأنهم لا ينكرون أن يرى الرائي في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل؟ ! فدل هذا على أنه أخبرهم بأنه أسري به يقظة لا منامًا.

قال الطبري عن القول: بأن الإسراء كان منامًا: "ذلك دفع لظاهر التنزيل، وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاءت به الآثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين" (٢).


(١) معالم التنزيل (٣/ ٩٢).
(٢) جامع البيان (٨/ ١٦).

<<  <   >  >>