للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرعية، كما في حديث معاوية المتقدم: (إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين).

قال الشنقيطي عند هذا الحديث: "لفظة (ما) فيه: مصدرية ظرفية مُقَيِّدَةٌ لقوله: (إن هذا الأمر في قريش)، وتقرير المعنى: إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين، ومفهومه: أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم، وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث" (١).

كما أن مما أجمع عليه أهل العلم، ولم يختلفوا فيه: أن الإمام لا بد أن يكون حُرًّا، فلا يجوز أن يكون عبدًا، لأن المملوك لا يحق له التصرف في شيء إلا بإذن سيده، فلا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له الولاية على غيره (٢).

وفد نقل ابن بطال عن المهلب (٣) قوله: "أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبيد" (٤).

إذا تبيَّن هذا فما الجواب عن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) وغيره من الأحاديث مما في معناه، حيث إنها قد يُفهم منها جواز إمامة غير القرشي حتى ولو كان عبدًا؟ هذا ما سوف يتضح في المطالب التالية، إن شاء الله تعالى.


(١) أضواء البيان (١/ ٥٣)، وانظر: الفتح (١٣/ ١١٦ - ١١٧)، وإرشاد الساري للقسطلاني (١٥/ ٨٨)، و (٨/ ١٠ - ١١)، والسياسة الشرعية لابن تيمية (٢١ - ٢٢).
(٢) انظر: المفهم (٤/ ٣٧)، وإرشاد الساري للقسطلاني (١٥/ ٩٢)، وأضواء البيان (١/ ٥٥).
(٣) هو الإمام المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، ولي قضاء المَريَّة، توفي رحمه الله سنة (٤٣٥ هـ) له من المصنفات: شرح صحيح البخاري. [انظر: السير (١٧/ ٥٧٩)، والعبر (٢/ ٢٧٢)، وشذرات الذهب (٣/ ٢٥٥)].
(٤) شرح صحيح البخاري (٨/ ٢١٥)، وانظر: الفتح (١٣/ ١٢٢)، وشرح النووي على مسلم (١٢/ ٤٦).

<<  <   >  >>