للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأختم هذا المبحث بالتأكيد على أمرين هامين:

الأول: أن المراد بظاهر (١) النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنىً في سياق، ومعنىً آخر في سياق آخر (٢).

قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: "السياق يرشد إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)} [الدخان: ٤٩]، كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير؟ " (٣).

ولهذا فقد يُنْقَلُ عن أحد الأئمة ما ظاهره التأويل، وهو في الحقيقة ليس تأويلًا، لأنه نحى هذا المنحى لقرينة تدل عليه، أو لكون السياق يقتضيه، فيكون بهذا موافقًا لمراد الله تعالى أو مراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكون بذلك مخالفًا لمذهب السلف، ولا خارجًا عن قاعدة إجراء النصوص على ظاهرها، لأن المقصود هو فَهْمُ مراد المتكلم من كلامه -كما تقدم- فإذا فُهِمَ كان هذا هو ظاهر كلامه، ولم يكن تأويلًا، وإن صح تسميته تأويلًا، فهو تأويل صحيح لقيام الأدلة عليه، وموافقته النصوص الشرعية.


(١) الظاهر هنا غير الظاهر في اصطلاح الأصوليين، والذي يكون في مقابلة النص، وهو ما احتمل أمرين، وهو في أحدهما أظهر. [انظر: الواضح في أصول الفقه لابن عقيل (١/ ٣٣ - ٣٤)، وروضة الناظر لابن قدامة (٢/ ٢٩ - ٣٠)، والقاموس المبين في اصطلاحات الأصوليين للدكتور محمود حامد عثمان (٢٠٠)].
(٢) انظر: القواعد المثلى (٣٦)، وتقريب التدمرية (٥٥) كلاهما للشيخ محمد العثيمين، ونقض الدارمي على المريسي (١/ ٣٤٤)، والتحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية للشيخ فالح آل مهدي (١٧٦).
(٣) بدائع الفوائد (٤/ ٢٢٢)، وانظر: ص (١٨٤ - ١٨٧) من هذا البحث ففيها ذكر هذه القاعدة، مع توضيحها بالأمثلة.

<<  <   >  >>