للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا ما جعل العارفين من أمته، والصادقين في محبته، والمجتهدين في اتباع شرعه يحرصون على تتبع سنته، ويهتمون بأقواله وأفعاله، فحفظوها وفهموها وعملوا بها، وحكَّموها فيما شجر بينهم، وعوَّلوا عليها في معتقدهم، وسائر أمور دينهم، ولا عجب في ذلك، فهي مع كتاب الله تعالى مصدر تشريعهم، وينبوع دينهم، ووحي ربهم، فقد قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٣، ٤] وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه) (١).

وهي كذلك المفسرة والمبينة للقرآن، حيث قال الله تعالى: و {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤] (٢).

ولما كثر التدوين وشاع التأليف تعددت اهتمامات العلماء بالسنة، وتنوعت تصانيفهم فيها، فمنهم الجامع لأحاديثها، ومنهم الشارح لها، والمبين لما استُشكل منها، ومنهم المتكلم على أسانيدها، والمميز لصحيحها من سقيمها، ومنهم الذابُّ عن حياضها، والمنافح عن تشريعها ...

كل ذلك وغيره يُظهر بجلاء ووضوح نصرة أهل السنة للسنة، وشدة عنايتهم بها، ودفاعهم عنها، ولا سيما عندما تتأكد الحاجة إلى ذلك.

فعندما كثر الطاعنون في الكتاب والسنة، ووُجِد المتبعون لما تشابه منهما، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، مُدْلِينَ في ذلك بعلل رديئة، وشبهات باطلة (٣) انبرى لهم حرَّاس الشريعة، وأمناء الملَّة، وعلماء الأمة، فأزالوا الشكوك، وأبطلوا الشبهات،


(١) أخرجه من حديث المقداد بن معديكرب: أبو داود (عون ١٢/ ٢٣١) ح (٤٥٩١)، والترمذي بنحوه (تحفة ٧/ ٤٢٦) ح (٢٨٠١)، وابن ماجة (١/ ٦) ح (١٢)، وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (٣/ ٨٧٠) ح (٣٨٤٨).
(٢) انظر: معالم التنزيل للبغوي (٣/ ٧٠)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (٢/ ٨٨٥).
(٣) انظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (٢٢).

<<  <   >  >>