للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عرف الذين صحبوه بأعيانهم، دون أن يكون لهم غرة وتحجيل، وإلى هذا مال ابن حجر -رحمه الله-، حيث قال: "ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما، لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم، والمرتد قد حبط عمله، ، فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم، باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم" (١).

ويشهد لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أعرفهم ويعرفونني).

ويحتمل أن تكون معرفته إياهم بمجموع الأمرين، فيعرف الذين صحبوه بأعيانهم، ويعرف من أتى بعدهم من أمته بالغرة والتحجيل (٢) والله أعلم.

وأما حمل هذه الأحاديث على أهل البدع والكبائر -على ما جاء في القول الثاني- فإنه وإن كان محتملًا -لورود لفظ الإحداث كما في بعض الروايات- إلا أن دلالة الأحاديث على القول الأول أظهر -والله تعالى أعلم- وقد تقدم قريبًا نقل كلام القاضي عياض في استبعاد هذا القول.

وقال ابن حجر: "وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستُبعد، لتعبيره في الخبر بقوله: (أصحابي)، وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده، وأُجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم، واستُبعد أيضًا، لأنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعًا: (سحقًا)، وأُجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قُضي عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة، فيكون قوله: (سحقًا) تسليمًا لأمر الله مع بقاء الرجاء، وكذا القول في أصحاب الكبائر" (٣).

وقال أيضًا: "وحاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم إن كانوا ممن ارتد عن الإسلام فلا إشكال في تبري النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم وإبعادهم، وإن


(١) الفتح (١١/ ٣٨٦).
(٢) انظر: المفهم (١/ ٥٠٤).
(٣) الفتح (١١/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>