للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصنع مثل صنيعهم، وإن لم يكن ممن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكر هؤلاء والتنصيص عليهم لا يلزم منه اختصاصهم بهذا الوعيد، وخروج غيرهم منه، لا سيما وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى العلة، وهي: الردة، والإحداث، والتبديل، فمن وقع منه ذلك فهو من المتوعدين بالذود عن حوضه -صلى الله عليه وسلم-، وقد أشار إلى هذا القرطبي (١) وغيره (٢).

وقد يشهد لهذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، كما عند مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا)، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: (أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: (أرأيت لو أن رجلًا له خيل غُرٌّ محجلة بين ظهري خيل دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرف خيله؟ ) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (فإنهم يأتون غرًا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هَلُمَّ فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا).

وأما معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء المذادين عن الحوض، ونداؤه لهم، فيحتمل أن يكون ذلك لأجل الغرة والتحجيل التي تكون عليهم ثم تزال عنهم، كما هو الحال بالنسبة للمنافقين حين يُعطَون نورًا ثم يطفأ عنهم، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أنه قال: "ويعطى كل إنسان منهم منافقٍ أو مؤمنٍ نورًا، ثم يَتَّبِعُونه -أي الله تعالى- وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يُطْفَأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون" (٣)، وهذا ما استظهره القاضي عياض وغيره (٤).


(١) تقدم نقل كلامه ص (٦٧٠).
(٢) انظر: إكمال المعلم (٢/ ٥٢).
(٣) صحيح مسلم، (٣/ ٥٠) ح (١٩١).
(٤) انظر: إكمال المعلم (٢/ ٥١)، والمفهم (١/ ٥٠٥)، والفتح (١١/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>