للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تميم، وأتاني أهل الكوفة ولم يجز أن يقول: "قوم" لأن القوم هم الذين تخلفوا.

ويدلك أيضًا قوله: (يا رب أصيحابي) بالتصغير، وإنما يريد بذلك تقليل العدد، كما تقول: "مررت بأُبيَّات متفرقة" و"مررت بجُمَيْعَة".

ونحن نعلم أنه قد كان يشهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد، ويحضر معه المغازي: المنافق لطلب المغنم، والرقيق الدين، والمرتاب والشاك، وقد ارتد بعده أقوام، منهم عيينة بن حصن، ارتد ولحق بطليحة بن خويلد، حين تنبأ وآمن به، فلما هزم طليحة هرب، فأسره خالد بن الوليد، وبعث به إلى أبي بكر -رضي الله عنه- في وثاق ... فلما كلَّمه أبو بكر -رضي الله عنه- رجع إلى الإسلام، فقبل منه، وكتب له آمانًا، ولم يزل بعد ذلك رقيق الدين حتى مات ...

ولعيينة بن حصن أشباه ارتدوا حين ارتدت العرب، فمنهم من رجع وحسن إسلامه، ومنهم من ثبت على النفاق، وقد قال الله تبارك وتعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١]، الآية، فهؤلاء هم الذين يختلجون دونه" (١).

وأما القول بأنه لم يرتد أحد ممن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فغير سديد، فإن أحدًا لا يسعه إنكار أو تجاهل حادثة أهل الردة الذين قاتلهم أبو بكر -رضي الله عنه-.

قال القرطبي: "وقتال أبي بكر -رضي الله عنه- لأهل الردة معلوم متواتر" (٢).

بل عدَّ بعض أهل العلم ما حصل من أهل الردة من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بها قبل وقوعها، فوقعت كما أخبر (٣).

ولا يمنع هذا أن يذاد غير هؤلاء عن الحوض ممن كان بعدهم،


(١) تأويل مختلف الحديث (٢١٧ - ٢١٨).
(٢) المفهم (٦/ ٩٣).
(٣) انظر: إكمال المعلم (٢/ ٥٤).

<<  <   >  >>