ويبقى الكلام في تخفيف العذاب على الكافر بسبب حسنات عملها، هل هو خاص في أبي طالب، لورود النص به، أم أنه عام فيه وفي غيره من الكفار؟ في هذا وقع الخلاف كما تقدم.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن ذلك خاص بأبي طالب، وأما سائر الكفار فقد أخبر الله تعالى أنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وعلى هذا فلا تعارض بين شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب، وقوله تعالى عن الكفار: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} [المدثر: ٤٨] لأن الآية محكمة، والحديث ثابت، فتعين القول بهذا، وهو تخصيص الآية بالحديث، علمًا أن هذا النفع الحاصل لأبي طالب ليس نفعًا كاملًا، وإنما هو نفع ناقص، فالعذاب لم يسقط عنه بالكلية وإنما خفف، ومع هذا فهو لا يرى أن أحدًا أشد عذابًا منه.
وأما القول الثاني وهو أن التخفيف يعم كل كافر له حسنات، فليس في الحديث ما يدل عليه، فإن التخفيف عن أبي طالب إنما كان بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- له لا بعمله، كما هو ظاهر الحديث:(لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة)، وشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- له مبنية على سبب معين له تعلق به -عليه السلام-، حيث جاء في الحديث: فإنه كان يحوطك ويغضب لك، فنصرته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحمايته له هي سبب الشفاعة، وليس سببها أعمال خير قدمها غير هذا، وعليه فلا وجه لإقحام أعمال الكفار الحسنة في هذا النزاع، ولا الاستدلال بهذا الحديث على نفعها لعموم الكفار في الآخرة، لا سيما وقد ورد النص الصحيح الصريح بخلافه، كما في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال:(لا إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين).
(١) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (٨)، وانظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٤٥ - ١٤٦).