للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي: "معنى هذا الحديث: أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم، لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرًا، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لم يقل: ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين) أي: لم يكن مصدقًا بالبعث، ومن لم يصدق به كافر، ولا ينفعه عمل" (١).

وجاء في صحيح مسلم أيضًا من حديث أنس -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها).

قال القاضي عياض: "الأصل أن الكافر لا يجزى في الآخرة على خير عمله في الدنيا، ولا يكتب له حسنة، لأن شرط الثواب والجزاء عُدِم، وهو الإيمان، لكن أخبر في هذا الحديث أنه من عدْل الله أنه قد جازاه بها في الدنيا بما أعطاه ورزقه وأطعمه، بخلاف المؤمن الذي يدخر له حسناته في الآخرة" (٢).

وأما استدلالهم بعموم قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)} [الأنبياء: ٤٧]، فقد أجاب عنه الحافظ ابن كثير فقال: "قصارى هذه الآية: العموم، فيخص من ذلك الكافرون" (٣)، ثم استدل على هذا التخصيص بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابن جدعان -وقد تقدم- وكذا قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣].

وقال ابن حجر بعد ذكر هذا القول واستدلال أصحابه بهذه الآية: "هذا البحث النظري معارض بقوله تعالى: {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦] وحديث أنس الذي أشرت إليه" (٤) يعني الحديث المتقدم.


(١) شرح النووي على مسلم (٣/ ٨٧).
(٢) إكمال المعلم (٨/ ٣٤١ - ٣٤٢)، وانظر: شرح النووي على مسلم (١٧/ ١٥٥).
(٣) النهاية (٢/ ٣٧).
(٤) الفتح (١١/ ٤٣١).

<<  <   >  >>