للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سماعهم، فإنه تعالى شبه الكفار بالموتى، لإفادة تعذر سماعهم، وهو فرع عدم سماع الموتى" (١).

قالوا: وفي التفسير المأثور ما يؤيد هذا، فقد قال الطبري في تفسيره: "وقوله: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}، يقول: وكما لا تقدر أن تسمع الصم -الذين قد سلبوا السمع- الدعاءَ، إذا هم ولُّوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء -الذين قد سلبهم الله فَهَم آيات كتابه-، لسماع ذلك وفهمه ثم روى بإسناده عن قتادة أنه قال: "هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر، {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}، يقول: لو أن أصم ولَّى مدبرًا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع" (٢).

قالوا: وبهذا يتبين صحة فهم عائشة -رضي الله عنها- للآية، وتَوَجُّهِ اعتراضها، لولا أنه في مقابلة النص، وقد وافقها على هذا الفهم عمر -رضي الله عنه-، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك قتلى بدر ثلاثة أيام، حتى جيفوا، ثم أتاهم فقام عليهم فقال: (يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا)، قال: فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله، أتناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون؟ يقول الله عزَّ وجلَّ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، فقال: (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا) (٣).


= ومعجم المؤلفين (٣/ ٤٦٩)].
(١) نقل ذلك عنه الآلوسي في الآيات البينات (٥٩).
(٢) جامع البيان (١٠/ ١٩٧)، والأثر صحح إسناده الألباني في مقدمته للآيات البينات (٢٣)، وانظر: فتح القدير (٤/ ١٥٠ - ١٥١).
(٣) المسند (٢١/ ٤٥١) ح (١٤٦٤)، وقال الألباني في الآيات البينات: "سنده صحيح على شرط مسلم".

<<  <   >  >>