للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألف حديث غير صحيح (١) " (٢).

وليس أدل على قوة حافظة البخاري وتوّقد ذهنه من تلك الحادثة التي حدثت له ببغداد، وذلك أنه لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، فجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة رجال، كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك إلى البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدًا بعد الآخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.

ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلقي عليه واحدًا تلو الآخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.


(١) تاريخ بغداد (٢/ ٢٥)، وانظر: تهذيب الكمال (٢٤/ ٤٦١).
(٢) ليس المراد بهذه الألوف الكثيرة أنها كلها أحاديث متغايرة كما يظن البعض -فيُشكل عليه تصديق ذلك- وإنما هي طرق متعددة للأحاديث، وقد يُروى الحديث الواحد بعشرات الأسانيد فتعتبر هذه الأسانيد بمثابة الأحاديث وما هي في الواقع إلا طرقًا لحديث واحد، وأيضًا فإنه يدخل في هذه الألوف آثار الصحابة والتابعين وغيرهم. [انظر: مقدمة ابن الصلاح (٢٣)، وفتح المغيث للسخاوي (١/ ٤٦ - ٤٧)، والتعريف بكتب الحديث الستة للشيخ محمد محمد أبي شهبة (٣٧).

<<  <   >  >>