(الأحكام) حديث عائشة يدل على جواز الصلاة على الميت في المسجد وبه قالت الأئمة (الشافعى وأحمد واسحاق والجمهور) قال ابن عبد البر، ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك، وبه قال ابن حبيب المالكي؛ وذهب الأمامان (أبو حنيفة ومالك) في المشهور عنه وابن أبى ذئب وكل من قال بنجاسة الميت إلى كراهة ذلك في المسجد، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه محمول على أن الصلاة على ابنى بيضاء كانت وهُما خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز، وردّ بأن حديث عائشة فيه التصريح بدخول الجنازة المسجد، ففى رواية مسلم والبيهقى "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سهيل بن بيضاء الا في جوف المسجد" ورواية الأمام أحمد أعنى حديث الباب (فشق به المسجد) وأجابوا أيضا بأن الأمر استقر على ترك ذلك، لأن الذين أنكروا على عائشة كانوا من الصحابة، وردّ بأن عائشة لماَّا أنكرت ذلك الأنكار سلّموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وأن الأمر استقر على الجواز، ويؤيد ذلك الصلاة على أبى بكر وعمر رضي الله عنهما في المسجد كما تقدم في الآثار التي ذكرناها قبل الأحكام، ومنهم من علَّل كراهة الصلاة على الميت في المسجد بنجاسة الميت، وهذا التعليل باطل لقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا" رواه الأمام الشافعى في مسنده والبخارى تعليقا من حديث ابن عباس، وانهض ما استدلوا به على الكراهة (حديث أبى هريرة) الثانى من أحاديث الباب (قال النووى) وأجابوا عنه "يعنى الجمهور" بأجوبة (أحدها) أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به (الثانى) أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبى داود "من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ عليه" فلا حجة لهم حينئذ (الثالث) أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه "فلا شئ له" لوجب تأويله بأن له (بمعنى عليه) ليجمع بين الروايتين، قال وقد جاء له - بمعنى عليه كقوله تعالى} وإن أسأتم فلها {(الرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه اهـ (قلت) أما قولهم إن الحديث ضعيف لا يحتج به فغير مسلَّم، لأنهم ضعفوه بسبب اختلاط راويه صالح مولى التوأمة في آخر عمره، وتقدم أن ابن معين قال في صالح إنه ثبت حجة سمع منه ابن أبى ذئب قبل أن يخرّف، ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت اهـ وقيل أيضا لابن معين إن مالكا تركه، فقال إن مالكا أدركه بعد أن خرّف، والثورى إنما أدركه بعد أن خرّف فسمع منه، لكن ابن أبى ذئب سمع منه قبل أن يخرّف، وقال على بن المدينى هو ثقة الا أنه خرّف وكبر فسمع منه الثورى بعد أن خرّف، وسماع ابن أبى ذئب منه قبل ذلك اهـ. وحينئذ فالحديث صحيح، وأحسن الأجوبة هو تأويل قوله في الحديث (فلا شئ له) بمعنى