ما نوى (١) فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله (٢) فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته لدنيا (٣) يصيبها أو امرأةٍ ينكحها (٤) فهجرته
أي قوامه ووجوده وإنما الرجال بالمال وإنما المال بالرعية وإنما الرعية بالعدل كل ذلك يراد به أن قوام هذه الأشياء بهذه الأمور (١) عند الشيخين "وإنما لكل امرئ ما نوى" (قال القرطبي رحمه الله) فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فجنح إلى أنها مؤكدة، وقال غيره بل تفيد غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فيترتب الحكم على ذلك، والثانية أفادت أن العامل لا يحصل إلا ما نواه، وقال ابن دقيق العيد، الجملة الثانية تقتضي أن ما نوى شيئاً يحصل له يعني إذا عمله بشرائطه أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله، وكل ما لم ينوه لم يحصل له، ومراده بقوله ما لم ينوه أي لا خصوصا ولا عموما، أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشتمله فهذا مما اختلف فيه أنظار العلماء يتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى، وقد يجعل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة من الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلابد من القصد إليه بخلاف تحية المسجد والله أعلم اهـ نقله الحافظ (ف) (٢) أي نية وقصدًا (فهجرته إلى ما هاجر إليه) حكما وشرعا، ومعنى الهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقالي إليه عن غيره، وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الإسلام على وجهين (الأول) الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة (الثاني) الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقى عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا قاله الحافظ (ف) (٣) بضم الدال وبالقصر بلا تنوين من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى وقيل لدنوها إلى الزوال، واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض، وإطلاق الدنيا على بعضها كما في الحديث المجاز (وقوله يصيبها) أي يحصلها شبه تحصيل الدنيا بإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود (٤) أي يتزوجها كما في رواية، وخصت المرأة بالذكر مع دخولها في دنيا لأنها فتنة عظيمة ففي الحديث (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) أخرجه