للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأكوان، أو فكر فيه فليمس هو في خلوة. قال شخص من طلاب الطريق لبعض الأكابر: اذكرني عند ربك في خلوتك. قال: إذا ذكرتك فلست معه في خلوة، ومن ثم يعلم سر "أنا جليس من ذكرني" (١)، وشرط هذه الخلوة، أن يذكر بنفسه وروحه لا بنفسه ولسانه.

الثاني: أن تكون خلوتهم لصفاء الفكر، لكي يصح نظرهم في طلب المعلومات، وهذه الخلوة لقوم يطلبون العلم، من ميزان العقل، وذلك الميزان في غاية اللطافة وهو بأدنى هوى يخرج عن الاستقامة.

وطلاب طريق الحق لا يدخلون في مثل هذه الخلوة، بل تكون خلوتهم بالذكر، وليس للفكر عليهم قدرة ولا سلطان. ومهما وجد الفكر طريقًا إلى صاحب الخلوة، فينبغى أن يعلم أنه ليس من أهل الخلوة، ويخرج من الخلوة، ويعلم أنه ليس من أهل العلم الصحيح الإلهى، إذ لو كان من أهل ذلك لحالت العناية الإلهية بينه وبين دوران رأسه بالفكر.

الثالث: خلوة يفعلها جماعة لدفع الوحشة، من مخالطة غير الجنس، والاشتغال بما لا يعني، فإنهم إذا رأوا الخلق انقبضوا. فلذلك اختاروا الخلوة.

الرابع: خلوة لطلب زيادة لذة، توجد في الخلوة، وخلوة حضرة صاحب الرسالة من القسم الأول، وكان بعيدًا جدًّا من جميع المخالطات، حتى من الأهل، والمال، وذات اليد، واستغرق في بحر الأذكار القلبية، وانقطع عن الأضداد بالكلية، وظهر له الأنس والجلوة، بتذكر من لأجله الخلوة، ولم يزل في ذلك الأنس، ومرآة الوحي، تزداد من الصفاء والصقال، حتى بلغ أقصى درجات الكمال، فظهرت تباشير صبح الوحي، وأشرقت وانتشرت بروق السعادة وتألقت، فكان لا يمر بشجر، ولا حجر، إلا قال بلسان فصيح: السلام عليكم يا رسول الله.


(١) أخرج الشيخان حديثًا بنحوه ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم" متفق عليه أخرجه البخاري (ج ١٣ ص ٣٢٥، ٣٢٦)، ومسلم برقم (٢٦٧٥)، وأخرجه الترمذي برقم (٣٥٩٨).

<<  <   >  >>