للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في صفة مشية - صلى الله عليه وسلم -]

كان إذا مشى كأنما ينحط من صبب يخطو تكفوًا: يعني كأنما يقلع نفسه من الأرض قلعًا، وهذا مشى الشجعان، وأصحاب الهمم العالية. ومن قلبه حي وأعدل ما يكون من المشى، لأن الماشى: إما متماوت يابس كالخشبة، أو طائش، منزعج قلق مضطرب. وهذان النوعان، في غاية القبح، والذم، ودليل على خفة الدماغ. وقلة العقل، أو على الخمول، وموت القلب. وإما بأتم حركة وأقل سرعة. وهذا النوع يسمى مشى الهون {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (١) "قال المفسرون: يعني سكينةً ووقارًا، من غَير كبر، ولا تماوت (٢). ومع هذا كان يرى كأنه ينحط من صبب. وكانت الأرض تطوى له. وأنواع المشى عشرة هذه الثلاثة والرابع: السعى، والخامس: الرمل. والسادس: النسلان وهو عدو خفيف. والسابع: الخوزلى. وهو مسير فيه تمايل. والثامن: القهقرى. والتاسع؛ الجمزى. وهو وثوب في السير. والعاشر؛ التبختر. وهو مشى التكبرين. وأفضل هذه الجملة وأكملها الهون الذي هو مشيه - صلى الله عليه وسلم -.

وكان إذا سار مع أصحابه، قدمهم أمامه، ومشى خلفهم. وقال: "دعوا ظهري للملائكة" (٣) وكان يمشى منتعلًا، وفي بعض الأحيان يمضى حافيا، وأصاب إصبع رجله المباركة حجر في بعض غزواته. فسال دمها فقال:

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت (٤)


(١) سورة الفرقان آية رقم ٦٣.
(٢) انظر: غريب القرآن (٣١٤)، ومجاز القرآن (٢/ ٨٠)، والطبري (١٩/ ٣٢)، والقرطبى (١٣/ ٦٥) يقول العلامة ابن كثير. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى ورياء، فقد كان سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له. قال: وقد كره بعض السلف بتخفف وتصنع، قال: وإنما المراد بالهون هنا. السكينة والوقار كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم منها فصلوا، وما فاتكم فأتموا" اهـ والحديث متفق عليه.
(٣) أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وآدابه (ص ٩٩).
(٤) انظر صحيح مسلم (٢/ ١٤٩)، وسيرة ابن هشام (٣/ ٢٩)، والبخاري (فتح البارى ٧/ ٣٦٥)، ومستدرك الحاكم (٣/ ١٩٩).

<<  <   >  >>