للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان في السفر يعصب جميع أصحابه، ويقوى الضعفاء، ويدعو لهم. ويحمل المنقطعين ويردفهم في بعض الأحيان خلفه - صلى الله عليه وسلم -.

[فصل في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوته وضحكه وبكائه - صلى الله عليه وسلم -]

أما كلامه: فكله فصل بين، لو شاء أحد، أن يعد كلماته، فعل. ولم يكن يسرده سردًا، لا يمكن أن يحفظ، ولا يقطعه قطعًا يظهر انفصاله. كما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه" (١).

وكان في بعض الأحيان، يعيد الكلمة ثلاث مرات ليتمكن السامع (٢) من حفظها. وغالب أحواله السكوت، والسكون، لا يتكلم إلا عن ضرورة. وإذا تكلم تكلم بجميح فمه، وأشداقه، بلا غمغمة وهمهمة. أكثر نطقه بجوامع الكلم. ولم يكن يحرك لسانه بما لا يعنيه. وكان إذا كره أمرًا ظهر أثر ذلك على وجهه المبارك. وما نطق بفحش (٣) أبدًا ما وكان لا يضحك كثيرًا، جل ضحكه التبسم، وغايته أن تبدو نواجذه. وكالط لا يضحك لكل ما يضحك منه.

وأما بكاؤه فمعتدل نظير ضحكه، ودموعه جارية يسمع من صدره أزيز، وبكاؤه إما لميت أو لشفقة، على الأمة أو من خوف الخالق تعالى. وكان يبكى في بعض الأحيان عند سماع القرآن. وذلك بكاء اشتياق، ومحبة، وإجلال.


(١) أخرجه أبو داود في سننه برقم (٤٨٣٩) وسنده حسن.
(٢) روى أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا، رواه البخاري في صحيحه (ج ١ ص ١٦٩، ١٧٠).
(٣) أخرجه الترمذي بسنده (١٩٧٨) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان ولا الفاحش، ولا البذيء" وقال حديث حسن، وأخرجه أحمد في مسنده (ج ١ ص ٤٠٤ و ٤٠٥ و ٤١٦)، والبخاري في الأدب المفرد (٣١٢ و ٣٣٢)، إسناده صحيح، وصححه ابن حبان (٤٨)، الحاكم (١/ ١٢ و ١٣) ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>