للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في العادة النبوية في الطعام والشراب]

كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا أكل متكئًا إنما أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد" (١) ونهى أن يأكل الإنسان مستلقيًا على وجهه، وكان يأكل بثلاثة أصابع، ولم يأكل بواحدة أبدًا، ولم يجمع بين سمك ولبن، ولا بين اللبن وشئ من الحوامض، ولا بين غذائين حارين، ولا بين دواءين لزجين، ولا بين قابضين، ولا بين مسهلين، ولا بين غليظين، ولا بين مختلفين، كقابض ومسهل، أو سريع الهضم وبطيئة، ولا بين المشوى والمطبوخ، ولا بين القديد والرطب، ولا بين الحليب والبيض، ولا بين اللحم والحليب.

وكان لا يأكل الطعام في حال شدة حرارته حتى يبرد، ولا يأكل طعامًا بائتًا، ولا ما فيه عفونة من الأطعمة كالكامخ (٢) والمخللات والملوحات، ولم يثبت أنه تناول منها شيئا وكان يدفع ضرر بعض الأغذية بأضدادها، كالتمر بالسمن، والرطب بالقثاء. وكان ينقع التمر ويشرب ماءه لهضم الطعام، وأمر أن يؤكل ما تيسر من الطعام قبل النوم، ولو كفا من تمر، ونهى عن النوم عقيب الأكل.

وأما شرب العسل، فإنه كان يمزجه بماء بارد في غاية البرودة. ولما كان العسل أفضل الأشربة، بإجماع أهل العلم؛ لأنه نتيجة الوحي الإلهى كان يحبه أكثر من جميع الحلاوات. ولما دخل - صلى الله عليه وسلم -، بستان ابن التيهان. قال: "هل عندكم ماء بات في شن وإلا كرعنا" (٣)؟ والمراد بالكرع هنا الاغتراف باليدين، إذ يكون الشرب باليد متعذرًا في تلك الحالة فأدت الضوورة إلى الكرع (٤).


(١) أخرجه البخاري (٩/)، ٤٧٢، والترمذي (١٨٣١)؛ وأبو داود (٣٧٦٩)، وانظر رياض الصالحين (ص ٣٤٤).
(٢) الكامخ، نوع من الأدم معرب. وقرب إلى أعرابي خبز وكامخ، فلم يعرفه فقال: ما هذا؟ فقيل: (كامخ) فقال: قد علت أنه كامخ، ولكن أيكم كمخ به؟ يريد: سلح به، ابن منظور. لسان العرب (ج ٢ ص ٢٩٥).
(٣) الكرع: تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (ج ١٠ ص ٧٧).

<<  <   >  >>