للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فاتحة الكتاب في ذكر حال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل نزول الوحي وبيان عباداته في تلك الأيام]

لما بلغ - صلى الله عليه وسلم - سبع سنين، وتوفي جده عبد المطلب، وافتخر عمه أبو طالب بشرف كفالته وتربيته، أمر الله تعالى - شأنه - إسرافيل - عليه الصلاة والسلام - أن يقوم بملازمته، فكان قرينه دائما إلى أن أتم إحدى عشر سنة، ثم أمر جبريل - عليه الصلاة والسلام - بملازمته تسعا وعشرين سنة، بطريق المرافقة والمقاربة، لكن لم يظهر له.

وفي بعض الروايات الصحيحة: أن إسرافيل ظهر له في ملازمته مرارًا وكلمه بكلمة وكلمتين، وقبل نزول الوحي بمدة خمس عشر سنة، كان يسمع صوتًا أحيانًا، ولا يرى شخصًا. وسبع سنين كان يرى نورًا، وكان به مسرورًا ولم ير شيئًا غير ذلك.

ولما قربت أيام الوحي أحب الخلوة، والانفراد فكان يتخلى في جبل حراء وهو على ثلاثة أميال (١) من الكعبة، وبه غار صغير، طوله أربعة أذرع وعرضه ذراع وثلث في بعض الواضع، وفى بعضها أقل. واختار محل الخلوة هناك.

وللعلماء في عبادته في خلوته قولان: قال بعضهم: كانت عبادته بالفكر، وقال بعضهم بالذكر، وهذا القول الصحيح، ولا تعريج على الأول ولا التفات إليه، لأن خلوة طلاب طريق الحق على أنواع:

الأول: أن تكون خلوتهم لطلب مزيد علم الحق من الحق، لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق، لأن من خاطب في خلوته كونًا من


(١) اختلاؤه في غار حراء أورده كثير من أهل العلم والمحققين انظر: صحيح البخاري بشرح فتح الباري (ج ١ ص ٢١) وانظر الجزء العاشر من فتاوى الشيخ ابن تيمية رحمه الله، وعيون الآثار لابن سيد الناس (ج ١ ص ٥٣)، وانظر تاريخ الطبري (ج ٥ ص ٤٩٨).

<<  <   >  >>