[فصل في العادة النبوية في أحوال الميت وأداء حقوقه]
كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - مشتملة على الإحسان العظمى إلى الميت، ومعاملته بأمور تنفعه في القبر، وفي القيامة، وعلى الإحسان لأقاربه وأهل بيته، وعلى تعليم الأحياء، ما يؤدون به حق العبودية، في معاملة الميت.
وأول الإحسان إلى الميت أنه كان يأمر بتجهيزه نحو آخرته، على أحسن الأحوال، وأفضل الصفات. ثم يقف - صلى الله عليه وسلم - وجميع أصحابه صفا، يستغفرون للميت، ويطلبون له الرحمة، من حضرة ذي العزة، ثم يسيرون معه إلى مدفنه، ويقوم هو وأصحابه على قبره يدعون له، ويسألون له التثبيت والرحمة، عند أشد ما يكون محتاجا إليها، ثم لا يزال يتعهد قبره، ويخصه بالدعاء، الذي يستوجب الروح، والراحة، والمغفرة، والرحمة.
وكان يعوده قبل موته، ويذكره بالآخرة، ويأمره بالتوبة، والوصية، ويأمر من حضر مريضا مشرفا أن يلقنه الشهادة، ليكون آخر كلامه كلمة التوحيد.
وكان يمنع من عادات أمم الذين لا يؤمنون بالبعث والنشر بحال، وينهى عن لطم الحدود، وشق الجيوب، وحلق الرأس، وأمثال ذلك، ويردع عليه ردعا بليغا، ويأمر بالحمد، والاسترجاع والرضا، ولا ينهى عن جرى الدمع، وحزن القلب.
ومع أنه كان أرضى الخلق لقضاء الحق، وأشكرهم، وأصبرهم، أجرى الدمع، وبكى لما توفى ولده ابراهيم، وعمره سنتان وقال:"تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"(١).
(١) متفق عليه رواه البخاري (ج ٣ ص ١٣٩، ١٤٠)، ومسلم برقم (٢٣١٥)، وأخرجه أبو داود برقم (٣١٢٦).