للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكن يأخذ السيف والحربة بيده، بل كان يعتمد على القوس أو العصا، وهذا قبل اتخاذ المنبر، وأما بعد اتخاذ المنبر، فلم يحفظ أنه اعتمد على العصا، ولا على القوس ولا على غير ذلك، وكان يجلس بين الخطبتين لحظة، وإذا فرغ من الخطبة أقام بلال الصلاة.

وكان في أثناء الخطبة يأمر الناس بالتقرب والإنصات، ويقول: "إن الرجل إذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له" (١) وكان يقول: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول: أنصت ليس له جمعة".

وقال: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها ويغلو فهو حظه منها، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات، وسكون، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا فهى له كفارة إلى الجمعة التي تليَها وزيادة ثلاثة أيام (٢)، وذلك أن الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (٣)} " ذكره أبو داود.

وكان إذا فرغ بلال من الأذان شرع - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة، ولم يقم أحد لصلاة السنة، وبعض العلماء قالوا بسنة الجمعة بالقياس على الظهر، وإثبات السنة بالقياس غير جائز (٤)، والعلماء الذين صنفوا في السنن، واعتنوا بضبط سنن الصلاة، لم يرووا في سنة الجمعة قبل الصلاة شيئا. وأما بعد صلاة الجمعة، فكان إذا رجع إلى المنزل صلى أربعا وإن صلى في المسجد صلى ركعتين وقال: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا".


(١) رواه أحمد في المسند (١/ ٩٣)، وأبو داود في السنن (١/ ٢٧٦)، والبيهقي الكبرى (٣/ ٢٢٠).
(٢) قال العراقى: إسناده جيد ذكره الشوكانى في نيل الأوطار (ج ٣ ص ٢٧٢)، ورواه أحمد بإسناد لا بأس به، وله شاهد في الصحيحين انظر صحيح البخاري (ج ٢ ص ٤١٤) حديث رقم (٣٩٤)، ومسلم (ج ٢ ص ٥٨٣)، برقم (٨٥١).
(٣) سورة الأنعام آية رقم ١٦٠.
(٤) ماذا يقول المنتسبون إلى الفقه والدين في هذا العصر من قولهم: هذا سنة، وهذا سنة، وليس لذلك أصل في الدين وإنما هو سنة الفقهاء، فأوهموا الناس أنها سنن الهدى، وليس هذا من شأن العلماء ولا من الورع.

<<  <   >  >>