للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أن يجتهد في التخيُّر من أقوال المجتهدين السابقين، أو بناء الأقوال على أقوالهم، وهم على طبقات شتَّى، ومن أجلهم الإمام ابن جرير، وابن عطية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وكثير غيرهم (١).

وتكاد كلمة العلماء تتفق على أهمية علم التفسير، وأنَّه من أعوص العلوم، ويقصدون بذلك حقيقة كيفية الوصول للمعنى من الآيات، وأنَّه يحتاج إلى آلات قد لا تتيسر للإنسان إلا بجهد جهيد، ومن ذلك قول الإمام ابن عطية في مقدمة تفسيره: «فإني لما رأيتُ العلومَ فنونًا، وحديث المعارف شجونًا، وسلكت فإذا هي أودية، وفي كل للسلف مقامات حسان وأندية، رأيت أن الوجه لمن تشزَّن (٢) للتحصيل، وعزم على الوصول، أن يأخذ من كل علم طرفًا خيارا، ولن يذوق النوم مع ذلك إلا غرارًا، ولن يرتقي هذا النجد، ويبلغ هذا المجد، حتى ينضي (٣) مطايا الاجتهاد، ويصل التأويب بالإسئاد (٤)، ويطعم الصبِر ويكتحل بالسهاد (٥)، فجريت في هذا المضمار صدر العمر طلقًا، وأدمنت حتى تفسخت أينا (٦) وتصببت عرقًا، إلى أن انتهج بفضل الله عملي، وحزت من ذلك ما قسم لي، ثم رأيت أن من الواجب على من احتبى، وتخير من العلوم واجتبى، أن يعتمد على علم من علوم الشرع، يستنفد فيه غاية الوسع، يجوب آفاقه، ويتتبع


(١) يقول الإمام ابن عطية: «وإنما عبر علماء السلف في ذلك -أي التفسير- بعبارات على جهة المثالات، فجعلها المتأخرون أقوالًا»، المحرر الوجيز: (٥/ ١٧٥).
(٢) تشزن للأمر: تهيأ له، واستعد.
(٣) أي: يُتعب.
(٤) التأويب: سير النهار كله، والإسآد: مش الليل، والمقصود من الجملة: «مواصلة البحث والاطلاع».
(٥) السهاد: ذهاب النوم بالليل.
(٦) الأين: التعب.

<<  <   >  >>