للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعماقه، ويضبط أصوله، ويحكم فصوله، ويلخص ما هو منه، أو يؤول إليه، ويعنى بدفع الاعتراضات عليه، حتى يكون لأهل ذلك العلم كالحصن المشيد، والذخر العتيد، يستندون فيه إلى أقواله، ويحتذون على مثاله.

فلما أردت أن أختار لنفسي، وأنظر في علمٍ أعد أنوارَه لظلم رمسي (١)، سبرتها بالتنويع والتقسيم، وعلمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالًا، وأرسخها جبالًا، وأجملها آثارًا، وأسطعها أنوارًا، علم كتاب الله جلت قدرته، وتقدست أسماؤه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي استقل بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، هو العلم الذي جعل للشرع قوامًا، واستعمل سائر المعارف خدامًا منه تأخذ مبادئها، وبه تعتبر نواشئها، فما وافقه منها نصع وما خالفه رفض ودفع، فهو عنصرها النمير، وسراجها الوهاج، وقمرها المنير.

وأيقنت أنَّه أعظم العلوم تقريبًا إلى الله تعالى، وتخليصًا للنيات، ونهيًا عن الباطل، وحضًا على الصالحات، إذ ليس من علوم الدنيا فيختل حامله من منازلها صيدًا، ويمشي في التلطف لها رويدًا.

ورجوت أن الله تعالى يحرم على النار فكرًا عمرته أكثر عمره معانيه، ولسانًا مرن على آياته ومثانيه، ونفسًا ميزت براعة رصفه ومبانيه، وجالت سومها في ميادينه ومغانيه، فثنيت إليه عنان النظر، وأقطعته جانب الفكر، وجعلته فائدة العمر، وما ونيت - علم الله- إلا عن ضرورة بحسب ما يلم في هذه الدار من شغوب، ويمس من لغوب، أو بحسب تعهد نصيب من سائر المعارف.


(١) أي: تراب قبره.

<<  <   >  >>