للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- قال أبو الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري: «إنَّ لله ﷿ لصفوة من خلقه، وإن لله ﷿ لخيرة، فقيل له: يا أبا الفيض فما علامتهم؟ قال: إذا خلع العبد الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة. ثم قال:

منع القران بوعده ووعيده .. مُقَل العيون بليلها أن تهجعا

فهموا عن الملك الكريم كلامه .. فهمًا تذل له الرقاب وتخضعا

وقال له بعض من كان في المجلس حاضرًا: يا أبا الفيض من هؤلاء القوم يرحمك الله؟ فقال: ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادًا، والتراب لجنوبهم مهادًا، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم فعزلهم عن الأزواج، وحركهم بالإدلاج فوضعوه على أفئدتهم فانفرجت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سراجًا، ولنومهم مهادًا، ولسبيلهم منهاجًا، ولحجتهم إفلاجًا، يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، ويفطر الناس ويصومون، ويأمن الناس ويخافون، فهم خائفون، حذرون، وجلون، مشفقون، مشمرون، يبادرون من الفوت، ويستعدون للموت، لم يتصغر جسيم ذلك عندهم لعظم ما يخافون من العذاب، وخطر ما يوعدون من الثواب، درجوا على شرائع القرآن، وتخلصوا بخالص القربان، واستناروا بنور الرحمن، فما لبثوا أن أنجز لهم القرآن موعوده، وأوفى لهم عهودهم، وأحلهم سعوده، وأجارهم وعيده، فنالوا به الرغائب، وعانقوا به الكواعب، وأمنوا به العواطب، وحذروا به العواقب، لأنهم فارقوا بهجة الدنيا بعين قالية، ونظروا إلى ثواب الآخرة بعين راضية، واشتروا الباقية بالفانية، فنعم ما اتجروا ربحوا الدارين، وجمعوا الخيرين، واستكملوا الفضلين … » (١).


(١) حلية الأولياء: (١/ ١٣).

<<  <   >  >>