للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يصدر التنعيم إلا من الأنس والحب، ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعًا، فكيف يستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولًا ويكابد أكله ويواظب عليه = فيصير موافقًا لطبعه حتى لا يصبر عنه فالنفس معتادة متحملة لما تتكلف، هي النفس ما عودتَّها تتعود» (١).

«فإذا أردتَّ الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه.

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧]، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفًا على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجزِ لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾، أشار إلى ما تقدم من أول السورة إلى ههنا، وهذا هو المؤثر، وقوله: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٦٩ - ٧٠]، أي: حي القلب.

وقوله: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ أي: وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام.

وقوله: ﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ أي: شاهد القلب حاضر غير غائب، استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله.


(١) إحياء علوم الدين: (١/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>