فهو ﵇ كان في حاجة شديدة إلى شيء يفعله أو يقوله؛ ليتوب إلى الله، لكنه لا يدري كيف؟ فأنزل الله عليه - برحمته تعالى - كلمات التوبة؛ ليتوب بها هو وزوجه إلى الله تعالى، وهي - كما يقول المفسرون- قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] فبمجرد ما أن تنزلت الآيات على موطن الحاجة من قلبه؛ حتى نطقت بها الجوارح والأشواق؛ فكانت له التوبة خُلُقًا إلى يوم القيامة! وكان آدم ﵇ بهذا أول التوابين! وذلك أخذه كلمات التوبة على سبيل (التلقي): (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)[البقرة: ٣٧]!
فعندما تقرأ القرآن إذن؛ استمع وأنصت! فإن الله ﷻ يخاطبك أنت! وادخل بوجدانك مشاهد القرآن، فإنك في ضيافة الرحمن! هناك حيث ترى من المشاهد ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر!
فاقرأ إذن كما استطعت وتعلم؛ لكن بحضور قلبي تام؛ كي تتزكى. فقد رأيت أن التلاوة بدء فعله من التعليم والتزكية، كما مر في قوله تعالى: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ١٦٤﴾ [آل عمران: ١٦٤]. فالتلاوة نور في نفسها. إنها - لو أبصرتها حقًّا - صلة مباشرة برب العالمين؛ ذكرًا ومناجاة. إنَّ العبد التالي لكتاب الله متكلم بكلام الله. وهذا وحده معنى عظيم في نفسه، فتدبر! وهو يمهد القلب ويهيئه للخطوات التربوية التالية.
إنَّ القرآن لا يشتغل حقيقةً؛ إلا إذا تحرك به قلب العبد المؤمن! نعم! واشتعل له وجدانُه! وتهيأ كيانُه كلُّه للاشتعال! فالمعاناة الإيمانية النابعة من صدق الإقبال على الله، وشدة الافتقار إليه تعالى؛ هي وحدها الكفيلة بتهيئة النفس وتصفيتها؛ حتى تصلح مرآتها لتعكس أنوار حقائق الإيمان، الكامنة في القرآن، وتستدر أسرار العرفان المكتنزة فيه! إنها هي وحدها تتيح للعبد الصادق تفجير زناد القرآن، وإشعال زيته الوقاد! ذلك أن الله جعل قلب العبد المؤمن هو المحرِّك الذي يُشَغِّلُ قاطرة الإيمان، ولا حركة إلا بِمُحَرِّك! فكيف ينطلق النور؟ وكيف يتوهج القرآن؟ وهذا القلب جامد هامد، لا تهب به رياح الأشواق؟» (١).
فتأثر العبد بالتلاوة؛ «أن يصير بصفة الآية المتلوة، فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة