للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ لربهِ معلنًا معصيتَهُ، وعداوتَهُ آدمَ وذريتَهُ: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)[الأعراف: ١٦ - ١٧]، قالَ إبليسُ هذهِ المقالةَ ظنًّا منهُ؛ لأنهُ عرَفَ ما جُبِلَ عليهِ الآدميُّ، ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠].

فمكَّنَهُ اللهُ من الأمرِ الذي يريدهُ إبليسُ في آدمَ وذريتهِ، فقالَ اللهُ لهُ: ﴿اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٣ - ٦٤] أي: إنْ قدرتَ فاجعَلْهم منحرفينَ في تربيةِ أولادِهم إلى التربيةِ الضارةِ، وفي صرفِ أموالِهم المصارفَ الضارةَ، وفي الكسبِ الضارِّ، وأيضًا شارِكْ منهم مَنْ إذْ تناولَ طعامًا أو شرابًا أو نكاحًا ولم يذكُرِ اسمَ اللهِ على ذلكَ في الأموالِ والأولادِ.

﴿وَعِدْهُمْ﴾ أي: مُرْهُمْ أنْ يكذِّبوا بالبعثِ والجزاءِ، وألَّا يُقدِموا على خيرٍ، وخوِّفْهم من أوليائِكَ، وخوِّفْهم عندَ الإنفاقِ النافعِ بالفحشاءِ والبخلِ. وهذا من اللهِ لحكمٍ عظيمةٍ وأسرارٍ!

وإنكَ -أيها العدوُّ المبينُ- لا تُبقِي من مقدورِكَ في إغوائِهم شيئًا؛ فالخبيثُ منهم يظهرُ خبثهُ، ويتضحُ شرُّهُ، واللهُ لا يعبأُ بهِ، ولا يبالي بهِ.

وأما خواصُّ الذريةِ من الأنبياءِ، وأتباعِهم من الصديقينَ، والأصفياءِ، وطبقاتِ الأولياءِ، والمؤمنينَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لم يجعَلْ لهذا العدوِّ عليهم تسلطًا، بلْ أقامَ عليهم سورًا منيعًا، وهوَ حمايتهُ وكفايتهُ، وزوَّدَهم بسلاحٍ لا يمكنُ عدوهم مقاومتهم، بكمالِ الإيمانِ باللهِ، وقوةِ توكلِهم عليهِ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٩٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>