وذلكَ أنَّ موسى ﷺ قامَ ذاتَ يومٍ في بني إسرائيلَ مقامًا عظيمًا، علَّمَهم فيه علومًا جمةً، وأُعجبَ الناسُ بكمالِ علمهِ، فقالَ لهُ قائلٌ: يا نبيَّ اللهِ، هلْ يوجدُ أو هلْ تعلمُ في الأرضِ أحدًا أعلمَ منكَ؟ فقالَ: لا. بناءً على ما يعرفهُ، وترغيبًا لهم في الأخذِ عنهُ.
فأخبرَهُ اللهُ أنَّ لهُ عبدًا في مجمعِ البحرينِ، عندَهُ علومٌ ليستْ عندَ موسى، وإلهاماتٌ خارجةٌ عن الطورِ المعهودِ، فاشتاقَ موسى إلى لقيهِ؛ رغبةً في الازديادِ من العلمِ، فطلبَ من اللهِ أنْ يأذنَ لهُ في ذلكَ، وأخبرَهُ بموضعهِ، وتزودَا حوتًا، وقيلَ لهُ: إذا فقدتَ الحوتَ فهوَ في ذلكَ المكانِ، فذهبَ فوجدَهُ، وكان ما قصَّ اللهُ من نبئِهما في سورةِ (الكهفِ): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (٦٠)﴾ إلى قولهِ: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)﴾ [الكهف: ٦٠ - ٨٢].
* وفي هذهِ القصةِ من الفوائدِ والأحكامِ والقواعدِ شيءٌ كثيرٌ، ننبهُ على بعضهِ بعونِ اللهِ، ونذكرُ المهمَّ منهُ.
* فمنها: ما اشتملَتْ عليهِ القصةُ من فضيلةِ العلمِ وشرفهِ، ومشروعيةِ الرحلةِ في طلبهِ، وأنهُ أهمُّ الأمورِ؛ فإنَّ موسى رحلَ في طلبهِ مسافةً طويلةً، ولقيَ في ذلكَ النَّصَبَ، وتركَ الإقامةَ عندَ بني إسرائيلَ لتعليمِهم وإرشادِهم، واختارَ السفرَ لزيادةِ العلمِ على ذلكَ.