لم يزلِ اللهُ أولًا ليسَ قبلَهُ شيءٌ، ولم يزلْ فعَّالًا لما يريدُ، ولا خلا وقتٌ من الأوقاتِ من أفعالٍ وأقوالٍ تصدرُ عن مشيئتهِ وإرادتهِ، بحسبِ ما تقتضيهِ حكمةُ اللهِ الذي هوَ حكيمٌ في كلِّ ما قدرهُ وقضاهُ، كما هوَ حكيمٌ في كلِّ ما شرعَهُ لعبادهِ.
فلما اقتضَتِ الحكمةُ الشاملةُ والعلمُ المحيطُ من اللهِ والرحمةُ السابغة خلقَ آدمَ أبي البشرِ الذينَ فضَّلَهم اللهُ على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلًا - أعلَمَ الملائكةَ وقالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] يخلفُ مَنْ كان قبلَهم من المخلوقاتِ التي لا يعلمُها إلا هو.
﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠]، وهذا منهم تعظيمٌ لربِّهم وإجلالٌ لهُ عن أنهُ ربما يخلقُ مخلوقًا يُشبهُ أخلاقَ المخلوقاتِ الأولِ، أو أنَّ اللهَ تعالى أخبرَهم بخلقِ آدمَ، وبما يكونُ مِنْ مجرمِي ذريتهِ.
قالَ اللهُ للملائكةِ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]، فإنهُ محيطٌ علمُهُ بكلِّ شيءٍ، وبما يترتبُ على هذا المخلوقِ من المصالحِ والمنافعِ التي لا تعدُّ ولا تُحصَى؛ فعرَّفهم تعالى بنفسهِ بكمالِ علمهِ، وأنهُ يجبُ الاعترافُ للهِ بسعةِ العلمِ، والحكمةِ التي من جملتها أنهُ لا يخلقُ شيئًا عبثًا، ولا لغيرِ حكمةٍ.