للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الموفَّقونَ الأصفياءُ فإنهم في هذهِ الأحوالِ يخضعونَ للهِ، ويعترفونَ لهُ بالنعمةِ، ويزدادُ تواضعُهم؛ ولهذا لما رأى سليمانُ من مُلكهِ مُلكًا كبيرًا، ورأى عرشَ ملكةِ سبأٍ مستقرًّا عندَهُ لم يطغَ ويقُل: (هذا مِنْ حولِي وقوتِي)، ونحوهُ، بلْ قالَ: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: ٤٠]، وقالَ قبلَ ذلكَ: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩].

* فائدةٌ: من الحكمةِ استعمالُ اللِّينِ في معاشرةِ المؤمنينَ، وفي مقامِ الدعوةِ للكافرينَ، كما قالَ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، وقالَ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]، فأمرَ باللِّينِ في هذهِ المواضعِ، وذكَرَ ما يترتبُ عليهِ من المصالحِ.

كما أنَّ من الحكمةِ استعمالَ الغلظةِ في موضعِها، قالَ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣]؛ لأنَّ المقامَ هنا مقامٌ لا تفيدُ فيه الدعوةُ، بلْ قدْ تعيَّنَ فيه القتالُ، فالغلظةُ فيه من تمامِ القتالِ.

وقدْ جمعَ اللهُ بينَ الأمرينِ في قولهِ في وصفِ خواصِّ الأمةِ: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩].

* والفرقُ بينَ قولهِ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] وبينَ قولهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] أنَّ هدايةَ الإرشادِ والتعليمِ والبيانِ هيَ التي أثبتَها لرسولهِ، بلْ ولكلِّ مَنْ لهُ تعليمٌ وإرشادٌ للخلقِ، كما قالَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣]، وقال: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>