للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة خاتم النبيين وإمام المرسلين

ومن أنزل عليه القرآن هدى ورحمة للمؤمنين

اعلَمْ أنَّ سيرةَ نبيِّنا محمدٍ أعظمُ عونٍ على معرفةِ تفسيرِ كتابِ اللهِ، والقرآنُ إنما كان ينزلُ تبعًا لمناسباتِ سيرتهِ، وما يقولهُ للخلقِ، وجواب ما يقالُ لهُ، وما يحصلُ بهِ تحقيقُ الحقِّ الذي جاءَ بهِ، وإبطالُ المذاهبِ التي جاءَ لإبطالها، وهذا من حكمةِ إنزالهِ مفرَّقًا، كما ذكرَ اللهُ هذا المعنى بقولهِ: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)[الفرقان: ٣٢ - ٣٣]، وقالَ: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ﴾ [هود: ١٢٠].

فلنشِرْ من سيرتهِ على الأحوالِ المناسبةِ لنزولِ الآياتِ المعيناتِ، أو لجنسِ النوعِ من علومِ القرآنِ؛ ليكونَ عونًا في هذا المقامِ.

* فأولُ مقاماتهِ في إنزالِ القرآنِ عليهِ: أنهُ كان قبلَ البعثةِ قدْ بُغِّضَتْ إليهِ عبادةُ الأوثانِ، وبُغِّضَ إليهِ كلُّ قولٍ قبيحٍ وفعلٍ قبيحٍ، وفُطِرَ فطرةً مستعدةً متهيئةً لقبولِ الحقِّ علمًا وعملًا، واللهُ تعالى هوَ الذي طهَّرَ قلبَهُ وزكَّاهُ وكمَّلَهُ.

فكان من رغبتهِ العظيمةِ فيما يقرِّبُ إلى اللهِ أنهُ كان يذهبُ إلى غارِ حراءٍ الأيامَ ذواتِ العددِ، ويأخذُ معهُ طعامًا يُطعِمُ منهُ المساكينَ، ويتعبَّدُ ويتحنثُ فيه، فقلبُهُ في غايةِ التعلقِ بربهِ، ويفعلُ من العباداتِ ما وصَلَ إليهِ علمهُ في ذلكَ الوقتِ الجاهليِّ الخالِي من العلمِ، ومعَ ذلكَ فهوَ في غايةِ الإحسانِ إلى الخلقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>