فلما تمَّ عمرهُ أربعينَ سنةً، وتمَّتْ قوتهُ العقليةُ، وصَلُحَ لتلقِّي أعظمَ رسالةٍ أرسَلَ اللهُ بها أحدًا من خلقهِ؛ تبدَّى لهُ جبريلُ ﷺ، فرأى منظرًا هالَهُ وأزعجَهُ، إذْ لم يتقدَّمْ لهُ شيءٌ من ذلكَ، وإنما قدَّمَ اللهُ لهُ الرؤيا التي كان لا يرَى رؤيا إلا جاءَتْ مثلَ فلقِ الصبحِ.
فنزلَتْ هذهِ السورةُ التي فيها نبوتهُ، وأَمْرُهُ بالقراءةِ باسمِ ربهِ، وفيها أصنافُ نعمهِ على الإنسانِ بتعليمهِ البيانَ العلميَّ، والبيانَ اللفظيَّ، والبيانَ الرسميَّ.
فجاءَ بها إلى خديجةَ تُرْعَدُ فرائصهُ من الفَرَقِ، وأخبرَها بما رآهُ وما جرَى عليهِ، فقالتْ خديجةُ ﵂:«أبشِرْ، فواللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أبدًا؛ إنكَ لتصلُ الرحمَ، وتَقْرِي الضيفَ، وتحملُ الكلَّ، وتُكسبُ المعدومَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ»(١)، أي: ومَن كانتْ هذهِ صفتهُ فإنها تستدعِي نعمًا من اللهِ أكبرَ منها وأعظمَ، وكان هذا من توفيقِ اللهِ لها ولنبيهِ، ومن تهوينِ القلقِ الذي أصابَهُ.