للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة إبراهيم خليل الرحمن ]

قدْ ذكَرَ اللهُ في كتابهِ سيرةً وأخبارًا كثيرةً من سيرةِ إبراهيمَ، فيها لنا الأسوةُ بالأنبياءِ عمومًا، وبهِ على وجهِ الخصوصِ؛ فإنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّنا وأمرَنا باتباعِ ملتهِ، وهيَ ما كان عليهِ من عقائدَ وأخلاقٍ وأعمالٍ قاصرةٍ ومتعديةٍ، فقدْ آتاهُ اللهُ رشدَهُ وعلَّمَهُ الحكمةَ منذُ كان صغيرًا، وأراهُ ملكوتَ السمواتِ والأرضِ؛ ولهذا كان أعظمَ الناسِ يقينًا وعلمًا وقوةً في دينِ اللهِ، ورحمةً بالعبادِ.

وكان قدْ بعثَهُ اللهُ إلى قومٍ مشركينَ يعبدونَ الشمسَ والقمرَ والنجومَ، وهم فلاسفةُ الصابئةِ الذينَ هم من أخبثِ الطوائفِ وأعظمِهم ضررًا على الخلقِ، فدعاهم بطرقٍ شتَّى، فأولُ ذلكَ دعاهم بطريقةٍ لا يمكنُ صاحبُ عقلٍ أنْ ينفرَ منها، ولما كانوا يعبدونَ السبعَ السياراتِ التي منها الشمسُ والقمرُ، وقدْ بنَوا لها البيوتَ وسمَّوها الهياكلَ؛ قالَ لهم ناظرًا ومناظرًا: هلمَّ -يا قوم- ننظرُ هلْ يستحقُّ منها شيءٌ الإلهيةَ والربوبيةَ؟ ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦]، والمناظرةُ تخالفُ غيرَها في أمورٍ كثيرةٍ، منها: أنَّ المناظرَ يقولُ الشيءَ الذي لا يعتقدُهُ؛ ليبنيَ عليهِ حجتَهُ، وليقيمَ الحجةَ على خصمهِ، كما قالَ في تكسيرهِ الأصنامَ لما قالوا لهُ: ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٢]، فأشارَ إلى الصنمِ الذي لم يكسِرْهُ فقالَ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]، ومعلومٌ أنَّ غرضَهُ إلزامُهم بالحجةِ، وقدْ حصلَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>