وجزاءِ المقيمينَ لها، والتاركينَ لها، ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] أي: لكلِّ حالةٍ عسرةٍ في معاشهِ ومعادهِ.
* فائدةٌ: خطاباتُ القرآنِ للناسِ خبًرا وأمرًا ونهيًا قسمانِ:
• أحدُهما -وهوَ الأكثرُ جدًّا-: خطابُ عامٌّ يُخاطَبُ بهِ جميعُ الناسِ، ويتعلَّقُ الخبرُ أو الحكمُ فيهم في حالةٍ واحدةٍ، مثلَ الخبرِ عن اللهِ وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ واليومِ الآخرِ، ومثلَ الأمرِ بالصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحجِّ والجهادِ والبرِ والصلةِ والعدلِ، والنهيِ عن ضدِّ ذلكَ؛ وهذا لأنَّ القرآنَ هدايةٌ وبيانٌ للناسِ، وهمُ مستوونَ في تعلقِ تلكَ الأحكامِ فيهم، ما لم يمنَعْ مانعُ عجزٍ عن بعضِ الواجباتِ؛ فيُرتَّبُ عليهِ حكمهُ.
• القسمُ الثاني: الخطابُ العامُّ من جهةٍ، الخاصُّ من جهةٍ أخرى، وذلكَ كالخطابِ المتعلقِ بالعباداتِ المعلقةِ على أوقاتِها، كالأمرِ بالصلواتِ الخمسِ لأوقاتِها، كقولهِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، وبالإمساكِ عن المفطراتِ، مثلَ قولهِ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، فمن جهةِ أنهُ موجَّهٌ إلى جميعِ المكلفينَ فإنهُ خطابٌ عامٌّ، جميعُ أهلِ المشارقِ والمغاربِ مخاطبونَ بذلكَ، ومن جهةِ أنَّ لكلِّ موضعٍ حكمًا بنفسهِ، فإنهُ معلومٌ أنَّ الوقتَ الذي تطلعُ فيه الشمسُ على هؤلاءِ أو تغربُ، أو يطلعُ الفجرُ أو تزولُ الشمسُ؛ غيرُ الوقتِ الذي تُوجدُ فيه هذهِ الأمورُ عندَ الآخرينَ،
فكلٌّ يُخاطَبُ بحسبِ حالهِ، وحسبِ الموضعِ الذي فيه بلا ريبٍ.
ونظيرُ هذا: الأمرُ باستقبالِ القبلةِ للصلاةِ موجهٌ إلى جميعِ أهلِ الأرضِ، ومعَ ذلكَ فكلُّ قطرٍ ومحلٍّ فلهم جهةٌ يتوصلونَ بها إلى الكعبةِ؛ ولهذا صرَّحَ اللهُ بهذا المعنى بقولهِ: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤]، فالمقصودُ واحدٌ، والطرقُ والوسائلُ إلى هذا المقصودِ متباينةٌ، وكلُّ أحدٍ مأمورٌ بطريقهِ الخاصِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute