لعبادِ اللهِ، فكان قلبهُ ملآنَ من محبةِ اللهِ والنصحِ لعبادِ اللهِ، فأدَّى الواجباتِ والمستحباتِ، وتركَ المحرماتِ والمكروهاتِ، وفضولَ المباحاتِ المنقصةِ لدرجتهِ، فهؤلاءِ هم صفوةُ الصفوةِ، وهم المقربونَ في جناتِ النعيمِ إلى اللهِ، وهم أهلُ الفردوسِ الأعلى؛ فإنَّ اللهَ كما أنهُ رحيمٌ واسعُ الرحمةِ، فإنهُ حكيمٌ ينزلُ الأمورَ منازلَها، ويُعطِي كلَّ أحدٍ بحسبِ حالةِ ومقامهِ، فكما كانوا هم السابقينَ في الدنيا إلى كلِّ خيرٍ كانوا في الآخرةِ في أعلى المنازلِ، وكما تخيروا من الأعمالِ أحسنَها جعَلَ اللهُ لهم من الثوابِ أحسنَهُ؛ ولهذا كانتْ عينُ التسنيمِ أعلى أشربةِ أهلِ الجنةِ، يشربُ منها هؤلاءِ المقربونَ صرفًا، وتُمزجُ لأصحابِ اليمينِ مزجًا في بقيةِ أشربةِ الجنةِ، التي لا نقصَ فيها بوجهٍ من الوجوهِ، كما قالَ تعالى: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)﴾ [المطففين: ٢٧ - ٢٨].
وهكذا بقيةُ ألوانِ وأصنافِ نعيمِ الجنةِ، لهؤلاءِ السابقينَ منهُ أعلاهُ وأكملهُ وأنفسهُ، وإنْ كان ليسَ في نعيمِ الجنةِ دنيٌّ ولا نقصٌ ولا كدرٌ بوجهٍ من الوجوهِ، بلْ كلُّ مَنْ تنعَّمَ بأيِّ نعيمٍ من نعيمِها لم يكنْ في قلبهِ شيءٌ أعلى منهُ؛ فإنَّ اللهَ أعطاهم وأرضاهم.
وخيارُ هؤلاءِ الأنبياءُ على مراتبِهم، ثم الصديقونَ على مراتبِهم، ولكلٍّ درجاتٌ مما عملُوا، فسبحانَ مَنْ فاوَتَ بينَ عبادهِ هذا التفاوتَ العظيمَ، واللهُ يختصُّ برحمتهِ مَنْ يشاءُ، واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ.