ثانِيها: مَنْ تساوَتْ حسناتُهم وسيئاتُهم، فهؤلاءِ هم أصحابُ الأعرافِ، وهيَ موضعٌ مرتفعٌ بينَ الجنةِ والنارِ يكونونَ عليهِ، وفيهِ ما شاءَ اللهُ، ثم بعدَ ذلكَ يدخلونَ الجنةَ، كما وُصِفَ ذلكَ في القرآنِ.
ثالثُها: مَنْ رجحَتْ سيئاتهُ على حسناتهِ، فهذا قدْ استحقَّ دخولَ النارِ، إلا أنْ يمنعَ مِنْ ذلكَ مانعٌ: مِنْ شفاعةِ الرسولِ لهُ، أو شفاعةِ أحدٍ مِنْ أقاربهِ أو معارفهِ ممن يَجعلُ اللهُ لهم في القيامةِ شفاعةً؛ لعلوِّ مقاماتِهم على اللهِ وكرامتِهم عليهِ (١)، أو تدركهُ رحمةُ اللهِ المحضةُ بلا واسطةٍ، وإلا فلابدَّ لهُ من دخولِ النارِ يُعذَّبُ فيها بقدرِ ذنوبهِ، ثم مآلهُ إلى الجنةِ.
ولا يبقى في النارِ أحدٌ في قلبهِ أدنى أدنى أدنى مثقالِ حبةِ خردلٍ من إيمانٍ، كما تواترَتْ بذلكَ الأحاديثُ عن النبيِّ ﷺ، وأجمعَ عليهِ سلفُ الأمةِ وأئمتُها.
• وأما المقتصدُ: فهوَ الذي أدَّى الواجباتِ وتركَ المحرماتِ، ولم يكثِرْ من نوافلِ العباداتِ، وإذا صدرَ منهُ بعضُ الهفواتِ بادَرَ إلى التوبةِ فعادَ إلى مرتبتهِ، فهؤلاءِ أهلُ اليمينِ، وأما مَنْ كان مِنْ أصحابِ اليمينِ ﴿فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٩١]، فهؤلاءِ سَلِمُوا من عذابِ البرزخِ وعذابِ النارِ، وسلَّمَ اللهُ لهم إيمانَهم وأعمالَهم، فأدخلَهم بها الجنةَ، كلٌّ على حسبِ مرتبتهِ.
• وأما السابقُ إلى الخيراتِ: فهوَ الذي كمَّلَ مراتبَ الإسلامِ، وقامَ بمرتبةِ الإحسانِ، فعبَدَ اللهَ كأنهُ يراهُ، فإنْ لم يكنْ يراهُ فإنهُ يراهُ، وبذَلَ ما استطاعَ من النفعِ