للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شروطِها وأركانِها، وكذلكَ هوَ أمرٌ بمعرفتِها، ومعرفةِ ما لا تتمُّ إلا بهِ، وهذا من أعظمِ الأدلةِ على وجوبِ طلبِ العلمِ؛ فإنَّ المأموراتِ يتوقفُ تكميلُها على معرفتِها.

وكذلكَ إذا نهانا اللهُ عن شيءٍ كان نهيًا عن كلِّ وسيلةٍ تُوصِلُ إليهِ.

والأمرُ بالجهادِ أمرٌ بهِ، وبكلِّ ما يتوقفُ عليهِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، والأمرُ بتبليغِ الشريعةِ أمرٌ بكلِّ ما يحصلُ بهِ التبليغُ ويتمُّ ويكملُ ويشملُ، ويدخلُ في هذا إيصالُ الأحكامِ الشرعيةِ وتبليغُها للناسِ بجميعِ المقرِّباتِ الحادثةِ.

* فائدةٌ: قدْ أخبرَ اللهُ في عدةِ آياتٍ بهدايتهِ الكفارَ على اختلافِ مللِهم ونحلِهم، وتوبتهِ على كلِّ مجرمٍ، وأخبرَ في آياتٍ أخرَ أنهُ: ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥٨]، ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨]، فما الجمعُ بينَها؟

فيُقالُ: قولهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس: ٩٦ - ٩٧] هيَ الفاصلةُ بينَ مَنْ هداهم اللهُ ومَن لم يهدِهم، فمن حقَّتْ عليهِ كلمةُ العذابِ؛ لعنادِهم، ولعلمِ اللهِ أنهم لا يصلحونَ للهدايةِ، بحيثُ صارَ الظلمُ والفسقُ وصفًا لهم ملازمًا غيرَ قابلٍ للزوالِ، ويُعلَمُ ذلكَ بظاهرِ أحوالِهم وعنادِهم ومكابرتِهم للحقائقِ؛ فهؤلاءِ يطبعُ اللهُ على قلوبِهم، فلا يدخلُها خيرٌ أبدًا، والجرمُ جرمُهم؛ فإنهم رأَوا سبيلَ الرشدِ فزهدُوا فيه، ورأَوا سبيلَ الغيِّ فرغبُوا فيه، واتخذُوا الشياطينَ أولياءَ من دونِ اللهِ.

* فائدةٌ: وردَ في كثيرٍ من الآياتِ إضافةُ الأمورِ إلى قدرةِ اللهِ ومشيئتهِ وعمومِ خلقهِ، وفي آياتٍ كثيرةٍ إضافتُها إلى عاملِيها وفاعلِيها.

وهذهِ الآياتُ المتنوعةُ تُنزَّلُ على الأصلِ العظيمِ المتفقِ عليهِ بينَ سلفِ الأمةِ، والذي دلَّ عليهِ العقلُ والنقلُ، وهوَ أنَّ جميعَ الأمورِ واقعةٌ بقضاءِ اللهِ وقدرهِ: أعيانِها

<<  <  ج: ص:  >  >>