للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة عيسى وأمه، وزكريا ويحيى

كانتْ زوجةُ عمرانَ -وهوَ من أكابرِ بني إسرائيلَ ورؤسائِهم (١) وذوي المقاماتِ العاليةِ عندَهم- نذرَتْ حينَ ظهرَ حملُها أنْ تحرِّرَ ما في بطنِها لبيتِ المقدسِ، يكونُ خادمًا لبيتِ اللهِ، مُعَدًّا لعبادةِ اللهِ، ظنًّا أنَّ الذي في بطنها ذكرٌ، فلما وضعَتْها قالتْ معتذرةً إلى اللهِ شاكيةً إليهِ الحالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: ٣٦] أي: أنَّ الذكرَ (٢) الذي لهُ القوةُ والقدرةُ على ما يُرادُ منهُ من القيامِ بخدمةِ بيتِ المقدسِ.

﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ فحصَّنَتْها باللهِ من عدوِّها هيَ وذريتِها، وكان هذا أولَ حفظٍ وحمايةٍ من اللهِ لها؛ ولهذا استجابَ اللهُ لها في هذهِ الدنيا: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ أي: أنَّ اللهَ جبرَ أمَّها وصارَ لها عندَ ربِّها من القبولِ أعظمُ مما للذكورِ، ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ فجمَعَ اللهُ لها بينَ التربيةِ الجسديةِ والتربيةِ الروحيةِ؛ حيثُ قُدِّرَ أنْ يكونَ كافلُها أعظمَ أنبياءِ بني إسرائيلَ في ذلكَ الوقتِ؛ فإن أمَّها لما جاءَتْ بها لأهلِ بيتِ المقدسِ تنازَعُوا أيُّهم يكفلُها؛ لأنها ابنةُ رئيسِهم، فاقترَعُوا وألقَوا أقلامَهم، فأصابَتِ القرعةُ زكريا؛ رحمةً بهِ وبمريمَ، فكفلَها أحسنَ كفالةٍ، وأعانَهُ [اللهُ] (٣) على كفالتِها بكرامةٍ عظيمةٍ منهُ.


(١) بعدها في (خ): وعلمائهم.
(٢) بعدها في (خ): هو.
(٣) لفظ الجلالة زيادة من (خ).

<<  <  ج: ص:  >  >>