فما الجمعُ بينَها وبينَ النصوصِ المتواترةِ من الكتابِ والسنةِ: أنهُ لا يخلدُ في النارِ إلا الكفارُ، وأنَّ جميعَ المؤمنينَ مهما عملُوا من المعاصِي التي دونَ الكفرِ فإنهم لابدَّ أنْ يخرجوا منها؟
فهذهِ الآياتُ قدْ اتفقَ السلفُ على تأويلِها وردِّها إلى هذا الأصلِ المجمعِ عليهِ بينَ سلفِ الأمةِ، وأحسنُ ما يقالُ فيها: إنَّ ذكرَ الخلودِ على بعضِ الذنوبِ التي دونَ الشركِ والكفرِ، أنها من بابِ ذكرِ السببِ، وأنها سببٌ للخلودِ في النارِ لشناعتِها، وأنها بذاتها تُوجِبُ الخلودَ إذا لم يمنَعْ من الخلودِ مانعٌ، ومعلومٌ بالضرورةِ من دينِ الإسلامِ أنَّ الإيمانَ مانعٌ من الخلودِ، فتُنزَّلُ هذهِ النصوصُ على الأصلِ المشهورِ، وهوَ أنهُ لا تتمُّ الأحكامُ إلا بوجودِ شروطِها وأسبابِها، وانتفاءِ موانعها، وهذا واضحٌ وللهِ الحمدُ، معَ أنَّ بعضَ الآياتِ المذكورةِ فيها ما يدلُّ على أنَّ الخطيئةَ المرادُ بها: الكفرُ؛ لأنَّ قولَهُ: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [البقرة: ٨١] دليلٌ على ذلكَ؛ لأنَّ المعاصيَ التي دونَ الكفرِ
لا تحيطُ بصاحبِها، بلْ لابدَّ أنْ يكونَ معَهُ إيمانٌ يمنعُ من إحاطتِها.
وكذلكَ قولهُ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا (١٤)﴾ [النساء: ١٤] فالمعصيةُ تُطلَقُ على الكفرِ وعلى الكبائرِ وعلى الصغائرِ، ومن المعلومِ أنهُ إذا دخَلَ فيها الكفرُ زالَ الإشكالُ.
* فائدةٌ: ورَدَ في القرآنِ آياتٌ كثيرةٌ فيها مضاعفةُ الحسنةِ بعشرِ أمثالِها، وورَدَ أيضًا آياتٌ أخرُ فيها مضاعفةٌ أكثرُ من ذلكَ، فما وجهُ ذلكَ؟
فيُقالُ: أما مضاعفةُ الحسنةِ بعشرِ أمثالِها فلابدَّ منها في كلِّ عملٍ صالحٍ، كما قالَ تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] في عدةِ آياتٍ.