* كان المسلمونَ في أولِ الأمرِ مأمورينَ بكفِّ الأيدي عن قتالِ الكفارِ، وإنما جهادُهم بالدعوةِ؛ لحكمةٍ ظاهرةٍ، فلما اضطُهِدُوا واضطرَّهم الأعداءُ إلى تركِ بلادِهم وأوطانِهم، وقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا، وحَبسُوا مَنْ حَبسُوا، وجَدُّوا في العداوةِ البليغةِ بكلِّ طريقٍ، وهاجرَ المسلمونَ بسببِ ذلكَ إلى المدينةِ، وقوَّاهم اللهُ على قتالِ الأعداءِ، وقدْ رماهم الأعداءُ عن قوسٍ واحدةٍ - فحينئذٍ أَذِنَ اللهُ لهم في القتالِ؛ ولهذا قالَ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ لمنعِهم (١) من دينِهم، وإخراجِهم من ديارِهم، ومطاردتِهم لهم في كلِّ مكانٍ.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ وهذا -معَ أمرهِ لهم بفعلِ الأسبابِ، ومقاومةِ الأعداءِ بكلِّ مستطاعٍ- أمرٌ لهم بالتوكلِ عليهِ، واستنصارِهِ، والطلبِ منهُ.
* ثم ذكرَ صفةَ عدوانِهم فقالَ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ [الحج: ٤٠] بالأذيةِ والفتنةِ ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، إلا أنَّ ذنبَهم إيمانُهم باللهِ، واعترافُهم بأنَّهُ ربُّهم وإلهُهم، وأنهم أخلصُوا لهُ الدينَ، وتبرَّؤُوا من عبادةِ المخلوقينَ، وهذا كما قالَ تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا
(١) في (خ): بمنعهم. وهو موافق لقول المؤلف في «تيسير الكريم الرحمن» (ص: ٥٣٩).