للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة ذي القرنين]

وكان ذو القرنينِ ملكًا صالحًا، وقدْ أعطاهُ اللهُ من القوةِ أسبابَ (١) الملكِ والفتوحِ ما لم يكنْ لغيرهِ.

فذكَرَ اللهُ من حسنِ سيرتهِ ورحمتهِ، وقوةِ ملكهِ، وتوسعهِ في المشارقِ والمغاربِ؛ ما يحصلُ بهِ المقصودُ التامُّ من سيرتهِ ومعرفةِ أحوالهِ؛ ولهذا قالَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣)[الكهف: ٨٣] أي: من بعضِ أخبارهِ.

ومن المعلوم أنَّ ما قصَّهُ اللهُ في كتابهِ هوَ أحسنُ وأنفعُ ما يُقَصُّ على العبادِ، فأخبرَ أنهُ أعطاهُ من كلِّ شيءٍ سببًا يحصلُ بهِ قوةُ الملكِ، وعلمُ السياسةِ، وحسنُ التدبيرِ، والسلاحُ المخضعُ للأممِ، وكثرةُ الجنودِ، وتسهيلُ المواصلاتِ، وجميعُ ما يحتاجهُ؛ ومعَ ذلكَ فقدْ عَمِلَ بالأسبابِ التي أُعطيَها، فما كلُّ أحدٍ يُعطَى الأسبابَ النافعةَ، ولا كلُّ مَنْ أُعطيَها يتَّبعُها ويعملُ بها.

أمَّا ذو القرنينِ فإنهُ تمَّ لهُ الأمرانِ: أُعطِيَ سببًا، فأتْبَعَ سببًا، فغزا بجيوشهِ الجرارةِ أدنى أفريقيةَ وأقصاها، حتى بلغَ البحرَ المحيطَ الغربيَّ، فوصلَ إلى محلٍّ إذا غربتِ الشمسُ: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] أي: رآها في رؤيةِ العينِ كأنها تغربُ في البحرِ، والبحرُ لونهُ أسودُ كالحَمِئَةِ (٢)، والقصدُ: أنهُ وصلَ إلى حيثُ منتهى الخفِّ والحافرِ من بلادِ أفريقيةَ.


(١) في (خ): وأسباب.
(٢) الحَمِئَة: الطين الأسود المنتن. (لسان العرب: ١/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>