وكان في مدينتِهم ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ [النمل: ٤٨] من شياطينِهم قدْ قاوَمُوا ما جاءَ بهِ صالحٌ أشدَّ المقاومةِ، يصدونَ عن سبيلِ اللهِ، و ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨]، وكان صالحٌ قدْ حذَّرَهم من عقرِ الناقةِ لما رأى من كبرِهم وردِّهم الحقَّ، فأولُ ما فعلَ أولئكَ الملأُ الأشرارُ أنْ عقدُوا مجلسًا عامًّا ليتفقُوا على عقرِ الناقةِ، فاتفقُوا، فانتُدِبَ لذلكَ أشقى القبيلةِ؛ ولهذا قالَ اللهُ تعالى: ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ [الشمس: ١٢] أي: بعدَ اتفاقِهم وندبِهم إياهُ بعثوهُ لذلكَ، فانبعَثَ واستعدَّ وتكفَّلَ لهم بعقرِها، وهم جميعُهم راضونَ بلْ آمرونَ، فعقَرَها فكان هذا العقرُ مؤذنًا بهلاكِ القبيلةِ بأسرِها.
فلما شعرَ صالحٌ بالأمرِ، ورأى منظرًا فظيعًا؛ عَلِمَ أنَّ العذابَ قدْ تحتمَ لا محالةَ؛ لأنَّ الجريمةَ قدْ تفاقمَتْ، ولم يبقَ حالةٌ يُرجَى فيها لهم تقويمٌ، فقالَ لهم صالحٌ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥]، ونبَّهَ بهذا الكلامِ دانِيَهم وقاصِيَهم.
ففي أثناءِ هذهِ المدةِ اتفقَ هؤلاءِ الرهطُ التسعةُ على أمرٍ أغلظَ من عقرِ الناقةِ: على قتلِ نبيِّهم صالحٍ، وتعاهدُوا وتعاقدُوا وحلفُوا الأيمانَ المغلظةَ، وكتمُوا أمرَهم خشيةً من منعِ أهلِ بيتهِ، لأنهُ في بيتِ عزٍّ وشرفٍ، وقالوا: ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: ٤٩]، ثم إذا ظُنَّ بنا أننا قتلناهُ حلَفْنا لأوليائهِ إننا ﴿مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾.
فدبَّروا هذا المكرَ العظيمَ، ولكنهم يمكرونَ ويمكرُ اللهُ لنبيهِ صالحٍ، فحينَ كمنُوا في أصلِ جبلٍ لينظروا الفرصةَ في صالحٍ؛ بدأَ اللهُ بعقوبتِهم، فكانوا سلفًا مقدمًا لقومِهم إلى نارِ جهنمَ، فأرسلَ اللهُ صخرةً من أعلى الجبلِ فشدخَتْهم، وقُتلُوا أشنعَ قتلةٍ.
ثم لما تمَّتْ ثلاثةُ هذهِ الأيامِ جاءَتْهم صيحةٌ مِنْ فوقِهم، ورجفةٌ مِنْ أسفلَ منهم، فأصبحوا خامدِينَ، ونجَّى اللهُ صالحًا ومن معَهُ من المؤمنينَ، وتولَّى عنهم وقالَ: ﴿يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٧٩].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute