للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلومِ أنهُ لا يقعُ ذلكَ، وهذا مثلُهُ؛ ولهذا قالَ قومهُ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩]، وأيضًا يريدُ بعضَ العذرِ من أضيافهِ.

وعلى هذا التأويلِ لا حاجةَ إلى العدولِ إلى قولِ بعضِ المفسرينَ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ [هود: ٧٨] يعني: زوجاتُهم، يعني: لأنَّ النبيَّ أبٌ لأمتهِ؛ فإنَّ هذا يمنعهُ أمرانِ:

• أحدُهما: قولهُ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ [هود: ٧٨] يشيرُ إليهنَّ إشارةَ الحاضرِ.

• ثانيًا: هذا الإطلاقُ على زوجاتِهم لا نظيرَ لهُ، وأيضًا النبيُّ إنما هوَ بمنزلةِ الأبِ للمؤمنينَ بهِ، لا للكفارِ، والمحذورُ الذي توهموهُ يزولُ بما ذكَرْنا، وأنهُ يَعْلَمُ أنهُ لا حقَّ لهم فيهنَّ، وإنما يريدُ مدافعتَهم بكلِّ طريقٍ.

فاشتدَّ الأمرُ بلوطٍ وقالَ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] أي: لدافعتُكم، فلما رآهم جازمِينَ على مرادِهم الخبيثِ قال لقومهِ: يا قومِ، اتقُوا اللهَ، ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)[هود: ٧٨]، فاستلجُّوا في طغيانِهم وسكرِهم، فحينئذٍ أخبرَتْهُ ملائكةُ الرحمنِ بأمرِهم، وأنهم أُرسِلُوا لإهلاكِهم، فصدَمَ جبريلُ أو غيرهُ من الملائكةِ الذينَ يعالجونَ البابَ ليدخلُوا على لوطٍ؛ فطمَسَ بهذهِ الصدمةِ أعينَهم، فكان هذا عذابًا معجَّلًا وأنموذجًا لمن باشرُوا مراودةَ لوطٍ على أضيافهِ.

وأمرُوا لوطًا أنْ يسريَ بأولِ الليلِ بأهلهِ ويلحَّ في السيرِ حتى يخلفَ ديارَهم، وينجوَ من معرَّةِ العذابِ، فخرجَ بهم، فما أصبحَ الصباحُ حتى خلفُوا ديارَهم، وقلبَ اللهُ عليهم ديارَهم، فجعَلَ أعلاها أسفلَها، وأمطَرَ عليها ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٨٢ - ٨٣] الذينَ يعملونَ عملَهم ﴿بِبَعِيدٍ (٨٣)﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>