للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما صارَ في جوفِ الحوتِ في تلكَ الظلماتِ نادَى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]، فأمرُ اللهُ الحوتَ أنْ تلقيَهُ بالعراءِ، فخرجَ من بطنِها كالفرخِ المَمْعُوطِ من البيضةِ في غايةِ الضعفِ والوهنِ، فلَطَفَ اللهُ بهِ، وأنبَتَ عليهِ شجرةً من يقطينٍ (١)، فأظلَّتْهُ بظلِّها الظليلِ حتى قَوِيَ واشتدَّ.

وأمرَهُ اللهُ أنْ يرجعَ إلى قومهِ فيعلمُهم ويدعُوهم، فاستجابَ لهُ أهلُ بلدهِ مائةُ ألفٍ أو يزيدونَ، ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)[الصافات: ١٤٨].

* وفي هذهِ القصةِ: عتابُ اللهِ ليونسَ اللطيفُ، وحبسهُ في بطنِ الحوتِ ليكونَ كفارةً وآيةً عظيمةً وكرامةً ليونسَ.

ومن نعمةِ اللهِ عليهِ أنهُ استجابَ لهُ هذا العددُ الكثيرُ من قومهِ، فكثرةُ أتباعِ الأنبياءِ من جملةِ فضائلِهم.

* وفيها: استعمالُ القرعةِ عندَ الاشتباهِ في مسائلِ الاستحقاقِ والحرمانِ إذا لم يكنْ مرجحٌ سواها.

* وفي عملِ أهلِ السفينةِ هذا العملَ دليلٌ على القاعدةِ المشهورةِ أنهُ يُرتكبُ أخفُّ الضررينِ؛ لدفعِ الضررِ الذي هوَ أكبرُ منهُ، ولا ريبَ أنَّ إلقاءَ بعضِهم وإنْ كان فيه ضررٌ، فعطبُ الجميعِ إذا لم يُلقَ أحدٌ أعظمُ.

* وفيها: أنَّ العبدَ إذا كانتْ لهُ مقدمةٌ صالحةٌ معَ ربهِ، وقدْ تعرَّفَ إلى ربهِ في حالِ الرخاءِ؛ أنَّ اللهَ يشكرُ لهُ ذلكَ، ويعرِفُهُ في حالِ الشدةِ بكشفِها بالكليةِ أو تخفيفِها؛ ولهذا قالَ في قصةِ يونسَ: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)[الصافات: ١٤٣ - ١٤٤].


(١) اليقطين: القرع. وقيل: كل ورقة اتسعت وسترت. (لسان العرب: ١/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>