• ويُساقونَ إلى الجنةِ زمرًا، كلُّ طائفةٍ منهم معَ نظرائِهم في الخيرِ بحسبِ طبقاتِهم وسبقِهم، كما يَرِدُونَ في عرصاتِ القيامةِ حوضَ نبيِّهم، فيشربونَ منهُ شربةً هنيئةً لا يظمؤونَ بعدَها، ويمرُّونَ على الصراطِ على قدرِ أعمالِهم: كلمحِ البصرِ، وكالبرقِ الخاطفِ، وكأجاويدِ الخيلِ والإبلِ، وكسعيِ الرجالِ، وكمشيِهم، ودونَ ذلكَ.
• فإذا عَبروا على الصراطِ وقفوا على قنطرةٍ بينَ الجنةِ والنارِ، فيَقتصُّ بعضُهم من بعضٍ مظالمَ وتبعاتٍ كانتْ بينَهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دخولِ الجنةِ، حتى إذا جاؤوها وفُتحتْ أبوابُها بشفاعةِ محمدٍ ﷺ، فتلقاهم خزنةُ الجنةِ، يسلِّمونَ عليهم، ويهنونَهم بالنجاةِ من العذابِ وحصولِ الخيرِ والثوابِ والخلودِ الأبديِّ بسببِ طيبِهم؛ ولهذا قالوا: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ [الزمر: ٧٣] أي: طابتْ قلوبُكم بالعقائدِ الصحيحةِ الصادقةِ، والأخلاقِ الجميلةِ، وألسنتُكم بذكرِ اللهِ والثناءِ عليهِ، وجوارحُكم بخدمتهِ والقيامِ بطاعتهِ؛ ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣].
• فإذا دخلُوها ورَأَوا ما فيها من النعيمِ المقيمِ، «مما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ»(١)؛ حمدوا اللهَ على منَّتهِ عليهم بالسوابقِ والإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ، وبإنجازِ ما وعدَهم بهِ على ألسنةِ رسلهِ، وعلى أنَّ اللهَ أورثَهم الجنةَ يتبوَّءونَ من خيراتِها حيثُ يشاؤونَ وأنَّى يشاؤونَ، مما تشتهيهِ الأنفسُ وتلذُّ الأعينُ من نعيمِ القلوبِ والأرواحِ، ومن نعيمِ الأبدانِ والأجسامِ، ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا
(١) كما في حديث النبي ﷺ عند البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤).