للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ومحشوٌّ قلبُهُ أيضًا من لذةِ معرفتهِ بربهِ، ومعرفتهِ بكمالهِ وكمالِ برِّهِ، وسعةِ جودهِ وإحسانهِ، ولذةِ محبتهِ والإنابةِ إليهِ الناشئةِ عن معرفتهِ بأوصافهِ، وعن مشاهدةِ إحسانهِ ومننهِ.

فالمؤمنُ يتقلبُ في لذاتِ الإيمانِ وحلاوتهِ المتنوعةِ؛ ولهذا كانَ الإيمانُ مسليًا عن المصيباتِ مهونًا للطاعاتِ، ومانعًا من وقوعِ المخالفاتِ، جاعلًا إرادةَ العبدِ وهواهُ تبعًا لما يحبهُ اللهُ ويرضاهُ، كما قالَ النبيُّ : «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكونَ هواهُ تبعًا لما جئتُ بهِ» (١).

* ومنها: أنَّ الإيمانَ هوَ السببُ الوحيدُ للقيامِ بذروةِ سنامِ الدينِ، وهوَ الجهادُ البدنيُّ والماليُّ والقوليُّ، جهادُ الكفارِ بالسيفِ والسنانِ، وجهادُ الكفارِ والمنافقينَ والمنحرفينَ في أصولِ الدينِ وفروعهِ بالحكمةِ والحجةِ والبرهانِ.

فكلما قويَ إيمانُ العبدِ علمًا ومعرفةً وإرادةً وعزيمةً قويَ جهادُهُ، وقامَ بكلِّ ما يقدرُ عليهِ بحسبِ حالهِ ومرتبتهِ؛ فنالَ الدرجةَ العاليةَ والمنزلةَ الرفيعةَ.

وإذا ضعفَ الإيمانُ تركَ العبدُ مقدورَهُ من الجهادِ القوليِّ بالعلمِ والحجةِ والنصيحةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، وضعفَ جهادُهُ البدنيُّ لعدمِ الحاملِ لهُ على ذلكَ؛ ولهذا قالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)[الحجرات: ١٥]، فصادقُ الإيمانِ يحملهُ صدقهُ على القيامِ بهذهِ المرتبةِ التي هيَ مرتبةُ الطبقتينِ العاليتينِ بعدَ النبيِّينَ:


(١) ابن أبي عاصم في «السنة» (١/ ١٢). وقال النووي: «حديث صحيح، ورويناه في "كتاب الحجة" بإسناد صحيح» (الأربعون النووية: ص ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>