للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد قال: "وللشعراء في التشبيه أغراض، فإذا شبهوا بالشمس في موضع الحسن أرادوا به البهائم والرونق والضياء ونصوع اللون والتمام، وإذا ذكروه في الوصف بالنباهة والشهرة أرادوا به عموم مطلعها، وانتشار شعاعها، واشتراك العام والخاص في معرفتها وتعظيمها، وغذا قرونه بالجلال والرفعة أرادوا به أنوارها وارتفاع محلها، وإذا ذكروه في باب النفع والأرفاق، قصدوا به تأثيرها في النشوء والنما" (١).

وتلك النظرة الثاقبة من القاضي الجرجاني في التشبيه - قد حدث بعيد القاهر - وتبعه البلاغيون من بعد - أن يذكرها فضيلة من فضائل التشبيه، وأن لم يذكر نفس المثال: الذي ذكره القاضي الجرجاني - وإنما ذكر مثالاً آخر - مماثلاً له.

ولئن جعل القاضي الجرجاني من الشمس مصباحاً مضيئاً لفكرته فلقد جعل عبد القاهر الجرجاني من القمر سراجاً منيراً لترديد نفس الفكرة، واستمع إلى ما يقوله عبد القاهر مردداً به فكرة القاضي الجرجاني "وأنه ليأتيك من الشمس بأشياء عدة ويشقق من الأصل الواحد أغصاناً في كل غصن ثمرة على حدة .. ويعطيك من القمر الشهرة في الرجل والنباهة والعز والرفعة، ويعطيك الكمال عن النقصان، والنقصان بعد الكمال، قولهم هلال نما فعاد بدراً يراد بلوغ النجل الكريم المبلغ الذي يشبه أصله من الفضل والعقل وسائر معاني الشرف (٢).


(١) الوساطة صـ ٤٧٤.
(٢) أسرار البلاغة من صـ ١٠٦ إلى صـ ١٠٩.