للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورابعها: أن المعنى إذا أتاك ممثلاً، فهو في الأكثر ينجلي لك بعد أن يحوجك إلى طلبه بالفكرة، ومن المركوز في الطباع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق إليه كان نيله أحلى، وكان موقعه من النفس أجل وألطف (١)، ولهذا ضرب المثل لكل ما لطف من موقعه ببرد الماء على الظمأ، كما قال الشاعر:

وهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من ذي الغلة الصادي

وليس معنى هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً، مشرفاً له وزائداً في فضله، لأن عبد القاهر لم يرد هذا الحدث من الفكر والتعب، وإنما أراد القدر الذي يحتاج إليه في نحو قول أبي الطيب:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال

وقوله:

وما التأنيث للاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال

وقوله:

رأيتك في الذين أرى ملوكاً ... كأنك مستقيم في محال

وقول النابغة:

فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وأن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقوله:

فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب


(١) أسرار البلاغة من صـ ١٠٩ إلى صـ ١١٠.